إلى بعض ما ذكرنا، كما لا يخفى، أو رجع إلى التصويب الباطل، لأجل أن لازم التعبد المزبور، اختصاص الحكم بالعالم، وأن الحكم المخصوص بالجاهل، هو مؤدى الأمارة.
أو إلى أنه من نقض الغرض: فإن الغرض تعلق بمنع الناس وتحريمهم عن الخمر، ثم يجعل ما يؤدي إلى خلافه، أو تعلق الغرض بإباحة شئ على الناس، نظرا إلى التسهيل في أمورهم، ثم يجعل ما ينتهي إلى تصعيب الأمر عليهم.
وأنت تعلم: أن كثيرا مما ذكر عبارات متعددة تحكي عن الأمور الراجعة إلى محذور واحد في الحقيقة، بحيث إذا قلع ذلك المحذور، لارتفعت هذه المحاذير على كثرتها، والأمر سهل.
إذا عرفت هذه المحاذير بإجمالها، فقبل الخوض في تفصيلها نشير إلى أن ما نسب إلى ابن قبة: " من أنه لو جاز الإخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لجاز الإخبار عن الله تبارك وتعالى " (1) - سواء كان نظره إلى وجوب الملازمة بين الوقوعين، أو كان إلى أن الإخبار عن الله تعالى من المستحيل، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثله في الاستحالة - ساقط جدا.
ولا يبعد الثاني، لأن الأول في غاية السخافة، ضرورة إمكان التعبد بلزوم الأخذ بطريق دون طريق وهكذا، أو جواز التفكيك بين الإخبارين، فما هو الأقرب هو الثاني.
وعلى كل تقدير: لا يرجع إلى محصل، ولعله أراد به بعض ما لا نفهم من كلامه، لبعد عصره، وعلو قدره.
وبالجملة: الإخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غير جائز إلا مع الوسط، والإخبار عن الله جائز مع الوسط، إلا أن الوسائط الموجودة بيننا وبينه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمثالنا المبطوطين