قلت: نعم، وكذلك البراءة الشرعية، وليست من الحجج العرفية، إلا أن هذا أيضا من الخلط بين ما هو مرام الباحث في البحث، وبين ما هي الجهة المبحوث عنها، فإن من القوم من يقول بحجيته لأجل البناء العقلائي (1)، أو لأجل إمضاء الشك وتتميمه لكشفه الناقص (2). وكون دليله عند المتأخرين منحصرا في الأخبار (3)، لا يضر بما هو المرام في المقام.
ومن هنا يظهر حال التمسك بدليل شرعي للبراءة، فتأمل، والأمر سهل.
ومن هنا يظهر: أن القول بأن المراد من " المكلف " هو المجتهد (4)، ليس كما ينبغي، لأنه ليس للاجتهاد خصوصية، وإن كان الباحث عن تلك المسائل لا بد وأن يكون عارفا بها، ولكنه يمكن أحيانا أن لا يكون مجتهدا حسب الاصطلاح، لعدم اطلاعه على الفقه كلا، أو لكونه غير واجد لسائر ما يعتبر في الاجتهاد اصطلاحا، فلا تخلط.
وتوهم: أن خطاب " لا تنقض... " كذا وكذا (5)، ناشئ عن الغفلة عن أنه ليس بخطاب شخصي، ولا بإيجاب نفسي، بل هو حكم على عنوان كلي ربما لا يكون خطاب فيه، مثل ما إذا ورد: " من كان على يقين فشك... " (6) فإن موضوعه أعم، إلا أن إحراز الموضوعية ربما يكون منوطا ببعض الشرائط، كما لا يخفى.