في أمارية الاستصحاب إذا عرفت ذلك فاعلم: أن الاستصحاب (1) فيه جهة كشف عن الواقع،
(١) قولنا: فاعلم أن الاستصحاب.
أقول: هذا ما أدى إليه نظري في سالف الزمان قبل الوصول إلى مباحث الاستصحاب ولقد جددت النظر حين انتهاء بحثنا إليه فوجدت أنه ليس أمارة شرعية، بل هو أصل تعبدي كما عليه المشايخ لأن عمدة ما أوقعنا في هذا التوهم أمران:
أحدهما: توهم أن اليقين السابق كاشف عن الواقع كشفا ناقصا في زمان الشك فهو قابل للأمارية كسائر الكواشف عن الواقع.
وثانيهما: توهم أن العناية في اعتباره وجعله إنما هي إلى هذه الجهة بحسب الروايات فتكون روايات الاستصحاب بصدد إطالة عمر اليقين وإعطاء تمامية الكشف له، وبعد إمعان النظر في بناء العقلاء وأخبار الباب ظهر بطلان المقدمتين:
أما الأولى: فلأن اليقين لا يعقل أن يكون كاشفا عن شئ في زمان زواله والمفروض أن زمان الشك زمان زوال اليقين، فكيف يمكن أن يكون كاشفا عن الواقع في زمان الشك؟!
نعم الكون السابق - فيما له اقتضاء البقاء - وأن يكشف كشفا ناقصا عن بقائه لكن لا يكون كشفه عنه أو الظن الحاصل منه بحيث يكون بناء العقلاء على العمل به من حيث هو من غير حصول اطمئنان ووثوق.
وأما الثانية: فلأن العناية في الروايات ليست إلى جهة الكشف والطريقية - أي إلى أن الكون السابق كاشف عن البقاء - بل العناية إنما هي إلى أن اليقين لكونه أمرا مبرما لا ينبغي أن ينقض بالشك الذي ليس له إبرام، فلا محيص [عن القول بأن] الاستصحاب أصل تعبدي شرعي كما عليه المشايخ المتأخرون (أ).
وأما الاستصحاب العقلائي الذي في كلام المتقدمين (ب) فهو غير مفاد الروايات بل هو عبارة (أ) فرائد الأصول: ٣١٩ سطر ٤ - ٧، أجود التقريرات ٢: ٣٤٣ سطر ٢٠ - ٢٢.
(ب) الغنية - الجوامع الفقهية -: ٥٤٨ سطر ٣٣، معارج الأصول: ٢٠٦ - 207، معالم الدين: 227 - 228، فرائد الأصول: 319 سطر 5 و 7 - 8.