المعنى: ثم أمر سبحانه بالقتال والثبات في الحرب، فقال: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة) أي: جماعة كافرة (فاثبتوا) لقتالهم، ولا تنهزموا، وإنما أطلق الفئة، لأن من المعلوم أن المؤمن لا يقاتل الفئة الكافرة أو الباغية، فحذف للإيجاز (واذكروا الله كثيرا) مستعينين به على قتالهم، ومتوقعين النصر من قبله عليهم.
وقيل معناه: واذكروا ما وعدكم الله تعالى من النصر على الأعداء في الدنيا، والثواب في الآخرة، ليدعوكم ذلك إلى الثبات في القتال (لعلكم تفلحون) أي: لكي تفلحوا وتنجحوا بالنصر والظفر بهم، وبالثواب عند الله يوم القيامة. (وأطيعوا الله ورسوله) فيما يأمرانكم (ولا تنازعوا فتفشلوا) أي: لا تتنازعوا في لقاء العدو، ولا تختلفوا فيما بينكم، فتجبنوا عن عدوكم، وتضعفوا عن قتالهم (وتذهب ريحكم) معناه: تذهب صولتكم وقوتكم. وقال مجاهد: نصرتكم، وقال الأخفش: دولتكم.
والريح هاهنا كناية عن نفاذ الأمر، وجريانه على المراد، تقول العرب: هبت ريح فلان: إذا جرى أمره على ما يريد. وركدت ريحه: إذا أدبر أمره. وقيل: إن المعنى ريح النصر التي يبعثها الله مع من ينصره على من يخذله. عن قتادة وابن زيد ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور).
(واصبروا) على قتال الأعداء (إن الله مع الصابرين) بالنصر والمعونة (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا) أي: بطرين يعني قريشا خرجوا من مكة ليحموا عيرهم، فخرجوا معهم بالقيان والمعازف، يشربون الخمور، وتعزف عليهم القيان (ورئاء الناس) قيل: إنهم كانوا يدينون بعبادة الأصنام فلما أظهروا التقرب بذلك إلى الناس، كانوا مرائين. وقيل: إنهم وردوا بدرا ليروا الناس أنهم لا يبالون بالمسلمين، وفي قلوبهم من الرعب ما فيه، فسمى الله سبحانه ذلك رئاء (ويصدون عن سبيل الله) أي: ويمنعون غيرهم عن دين الله (والله بما يعملون محيط) أي:
عالم بأعمالهم، فيجازيهم عليها، ولا يخفى عليه منها شئ.
القصة: قال ابن عباس: لما رأى أبو سفيان أنه أحرز عيره، أرسل إلى قريش أن ارجعوا، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدرا، وكان بدر موسما من مواسم العرب، يجتمع لهم بها سوق كل عام، فنقيم بها ثلاثا، وننحر الجزر ونطعم الطعام، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فوافوها فسقوا كؤوس المنايا، وناحت عليهم النوائح.