المعنى، وإنما ذلك على مثل ما يخيل السراب ماء من غير قطع على أنه ماء، ولا يجوز أن يلهمه اعتقادا للشئ على خلاف ما هو به، لأن ذلك يكون جهلا لا يجوز أن يفعله الله سبحانه.
والرؤيا على أربعة أقسام: رؤيا من الله عز وجل، ولها تأويل ورؤيا من وساوس الشيطان. ورؤيا من غلبة الأخلاط. ورؤيا من الأفكار، وكلها أضغاث أحلام إلا الرؤيا من قبل الله سبحانه تعالى التي هي إلهام في المنام.
ورؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه كانت بشارة له وللمؤمنين بالغلبة. وقال الحسن: معنى قوله: (في منامك) في موضع نومك أي: في عينك التي تنام بها. وليس من الرؤيا في النوم، وهو قول البلخي، وهذا بعيد لأنه خلاف الظاهر (ولو أراكهم كثيرا) على ما كانوا عليه، لجبنتم عن قتالهم، وضعفتم، ولتنازعتم في أمر القتال، فكان يقول بعضكم نقاتلهم، وبعض آخر يخالفونهم، ويقول بعضكم لبعض: تقدم أنت في القتال، ويتأخر هو بنفسه (ولكن الله سلم) أي: سلم المؤمنين عن الفشل، والتنازع، واختلاف الكلمة، واضطراب الأمر بلطفه لهم، وإحسانه إليهم، حتى بلغوا ما أرادوه من عدوهم (إنه عليم بذات الصدور) أي: بما في قلوبكم يعلم أنكم لو علمتم كثرة عدوكم، لرغبتم عن القتال (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا) الكاف، والميم: كناية عن المؤمنين، والهاء، والميم كناية عن المشركين.
أضاف الرؤيا في النوم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن رؤيا الأنبياء لا تكون إلا حقا، وأضاف رؤية العين إليهم. قلل الله المشركين في أعين المؤمنين، ليشتد بذلك طمعهم فيهم، وجرأتهم عليهم، وقلل المؤمنين في أعين المشركين، لئلا يتأهبوا لقتالهم، ولا يكترثوا بهم، فيظفر بهم المؤمنون، وذلك قوله تعالى (ويقللكم في أعينهم).
وقد وردت الرواية عن ابن مسعود قال: قلت لرجل بجنبي: أتراهم سبعين رجلا. فقال: هم قريب من مائة. وقد روي أن أبا جهل كان يقول: خذوهم بالأيدي أخذا، ولا تقاتلوهم. ومتى قيل: كيف قللهم الله في أعينهم مع رؤيتهم لهم؟ قالوا: فالقول إنه يجوز أن يكون ذلك لبعض الأسباب المانعة من الرؤية، إما بغبار، أو ما شاكله، فتخيلوهم بأعينهم قليلا من غير رؤية عن الصحة لجميعهم، وذلك لطف من ألطاف الله تعالى.