ولم يحسنوا النظر لأنفسهم حين اغتروا بقول رسولهم، فبين الله تعالى أنهم هم المغرورون بقوله.
(ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) معناه: ومن يسلم لأمر الله، ويثق به، ويرضى بفعله، وإن قل عددهم، فإن الله تعالى ينصرهم على أعدائهم، وهو عزيز لا يغلب، فكذلك لا يغلب من توكل عليه، وهو حكيم يضع الأمور مواضعها على ما تقتضيه الحكمة (ولو ترى) يا محمد (إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة) أي: يقبضون أرواحهم عند الموت (يضربون وجوههم وأدبارهم) يريد أستاءهم ولكن الله سبحانه كنى عنها، عن سعيد بن جبير، ومجاهد. وقيل: وجوههم: ما أقبل منهم، وأدبارهم: ما أدبر منهم. والمراد يضربون أجسادهم من قدامهم ومن خلفهم، والمراد به قتلى بدر، عن ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأكثر المفسرين. وقيل: معناه سيضربهم الملائكة عند الموت. قال الرماني، وهذا غلط لأنه الظاهر. وروى الحسن قال: إن رجلا قال: يا رسول الله! إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ذاك ضرب الملائكة. وروى مجاهد أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إني حملت على رجل من المشركين، فذهبت لأضربه فندر (1)، فقال: سبقك إليه الملائكة.
(وذوقوا عذاب الحريق) أي: ويقول الملائكة للكفار استخفافا بهم: وذوقوا عذاب الحريق بعد هذا في الآخرة. وقيل: إنه كان مع الملائكة يوم بدر مقامع من حديد، كلما ضربوا المشركين بها التهبت النار في جراحاتهم، فلذلك قوله:
(وذوقوا عذاب الحريق).
و (ذلك) أي: ذلك العقاب لكم (بما قدمت أيديكم) أي: بما قدمتم وفعلتم. وإنما أضاف إلى اليد على التغليب لأن أكثر الأفعال تكون باليد، والمراد بذلك: بجنايتكم الكفر والمعاصي (وأن الله ليس بظلام للعبيد) أي: لا يظلم عباده في عقوبتهم من حيث إنه إنما عاقبهم بجناياتهم على قدر استحقاقهم.
وفي هذا دلالة واضحة على بطلان مذهب المجبرة في أنه يخلق الكفر، ثم يعذب عليه، وأنه يجوز أن يعذب من غير ذنب، وأن يأخذ بذنب غيره، لأن هذا