وأما على التقدير الثالث فمعناه: إن هذا خير لكم كما أن إخراجك من بيتك على كراهية جماعة منكم خير لكم، وقريب منه ما جاء في حديث أبي حمزة الثمالي: فالله ناصرك كما أخرجك من بيتك. وقوله: (بالحق) أي: بالوحي وذلك أن جبرائيل عليه السلام أتاه وأمره بالخروج. وقيل معناه: أخرجك ومعك الحق. وقيل معناه: أخرجك بالحق الذي وجب عليك، وهو الجهاد.
(وإن فريقا من المؤمنين) أي: طائفة منهم (لكارهون) لذلك، للمشقة التي لحقتهم (يجادلونك في الحق بعد ما تبين) معناه: يجادلونك فيما دعوتهم إليه، بعدما عرفوا صحته، وصدقك بما ظهر عليك من المعجزات، ومجادلتهم قولهم:
هلا أخبرتنا بذلك؟ وهم يعلمون أنك لا تأمرهم عن الله إلا بما هو حق وصواب، وكانوا يجادلونك فيه لشدته عليهم، يطلبون بذلك رخصة لهم في التخلف عنه، أو في تأخير الخروج إلى وقت آخر، وقيل معناه: يجادلونك في القتال يوم بدر، بعد ما تبين صوابه، وأنه مأمور به، عن ابن عباس. وقيل: بعدما تبين أنك يا محمد لا تصنع إلا ما أمرك الله به.
(كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) معناه: كأن هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدو لشدة القتال عليهم، حيث لم يكونوا مستعدين له، ولكراهتهم له من حيث الطبع، كانوا بمنزلة من يساق إلى الموت، وهم يرونه عيانا، وينظرون إليه وإلى أسبابه (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم) يعني: واذكروا واشكروا الله إذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم إما العير وإما النفير (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) أي: تودون أن يكون لكم العير وصاحبها أبو سفيان بن حرب، لئلا تلحقكم مشقة دون النفير وهو الجيش من قريش. قال الحسن: كان المسلمون يريدون العير، ورسول الله يريد ذات الشوكة، كنى بالشوكة عن الحرب لما في الحرب من الشدة، عن قطرب، وقيل: ذات الشوكة: ذات السلاح.
(ويريد الله أن يحق الحق بكلماته) معناه: والله أعلم بالمصالح منكم، فأراد أن يظهر الحق بلطفه، ويعز الاسلام، ويظفركم على وجوه قريش، ويهلكهم على أيديكم بكلماته السابقة، وعداته في قوله: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون وأن جندنا لهم الغالبون) وقوله: (ليظهره على الدين كله ولو كره