(ولهم أعين لا يبصرون بها) الرشد (ولهم آذان لا يسمعون بها) الوعظ لأنهم يعرضون عن جميع ذلك، إعراض من ليست له آلة الإدراك. وقد مر تفسيره في سورة البقرة، عند قوله: (صم بكم عمي) الآية: (أولئك كالأنعام) أي: هؤلاء الذين لا يتدبرون آيات الله، ولا يستدلون بها على وحدانيته، وصدق أنبيائه، أشباه الأنعام والبهائم التي لا تفقه، ولا تعلم (بل هم أضل) من البهائم، فإنها إذا زجرت انزجرت، وإذا أرشدت إلى طريق اهتدت، وهؤلاء لكفرهم وعتوهم، لا يهتدون إلى شئ من الخيرات، مع ما ركب الله فيهم من العقول الدالة على الرشاد، الصارفة عن الفساد. ولم يذكر (بل) ههنا للرجوع عن الأول. ولكن للإضراب عنه مع بقائه. وقيل: إنما قال (بل هم أضل) من الأنعام، لأن الأنعام لم تعط آلة المعرفة والتمييز فلا تلحقها المذمة، وهؤلاء أعطوا آلة المعرفة والتمييز فضيعوها، ولم ينتفعوا بها، ولأن الأنعام وإن لم تكن مطيعة لم تكن عاصية، وهؤلاء عصاة، فهم أسوأ حالا منها (أولئك هم الغافلون) عن آياتي وحججي، وعن الاستدلال والاعتبار بتدبرها، والتفكر فيها، دون البهائم التي هي مسخرة مصرفة. وقيل: الغافلون عما بحل بهم في الآخرة من العذاب (ولله الأسماء الحسنى) أخبر سبحانه أن له الأسماء الحسنى، لحسن معانيها، مثل: الجواد، والرحيم، والرازق، والكريم. ويقال: إن جميع أسمائه داخلة فيه، وإنها كلها حسنة متضمنة لمعان حسنة، فمنها ما يرجع إلى صفات ذاته كالعالم، والقادر، والحي، والإله، والقديم، والسميع، والبصير. ومنها ما هي صفات فعله كالخالق، والرازق، والمبدع، والمحي، والمميت. ومنها ما يفيد التنزيه، ونفي صفات النقص عنه كالغني، والواحد، والقدوس، ونحو ذلك.
وقيل: المراد بالحسنى: ما مالت إليه النفوس من ذكر العفو والرحمة، دون السخط والنقمة (فادعوه بها) أي: بهذه الأسماء الحسنى، ودعاؤه بها أن يقال: يا الله! يا رحمن! يا رحيم!! يا خالق السماوات والأرض! وكل اسم لله سبحانه، فهو صفة مفيدة، لأن اللقب لا يجوز عليه، فإنه بمنزلة الإشارة إلى الحاضر.
وقد ورد في الحديث: (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدة، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر) أورده مسلم في الصحيح. (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) أي: دعوا الذين يعدلون بأسماء الله تعالى عما هي عليه، فيسمون بها أصنامهم، ويغيرونها بالزيادة والنقصان، فاشتقوا اللات من الله، والعزى