لترحموا بذلك، وباعتباركم به، واتعاظكم بمواعظه (واذكر ربك في نفسك) خطاب للنبي، عليه وآله السلام، والمراد به عام. وقيل: هو خطاب لمستمع القرآن، والمعنى: واذكر ربك في نفسك بالكلام من التسبيح، والتهليل، والتحميد. وروى زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: معناه إذا كنت خلف الإمام، تأتم به، فأنصت، وسبح في نفسك، يعني فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة. وقيل معناه: واذكر نعمة ربك بالتفكر في نفسك. وقيل: أراد اذكره في نفسك بصفاته العليا، وأسمائه الحسنى.
(تضرعا وخيفة) يعني بتضرع وخوف، يعني: في الدعاء، فإن الدعاء بالتضرع والخوف من الله تعالى، أقرب إلى الإجابة، وإنما خص الذكر بالنفس لأنه أبعد من الرياء، عن الجبائي (ودون الجهر من القول) معناه: إرفعوا أصواتكم قليلا، ولا تجهروا بها جهارا بليغا، حتى يكون عدلا بين ذلك، كما قال: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها). وقيل: إنه أمر للإمام أن يرفع صوته في الصلاة بالقراءة مقدار ما يسمع من خلفه، عن ابن عباس.
(بالغدو والآصال) أي: بالغدوات والعشيات، عن قتادة. والمراد به دوام الذكر، واتصاله. وقيل: إنما خص هذين الوقتين، لأنهما حال فراغ القلب عن طلب المعاش، فيكون الذكر فيهما ألصق بالقلب (ولا تكن من الغافلين) عما أمرتك به من الدعاء والذكر، وقيل: إن الآية متوجهة إلى من أمر بالاستماع للقرآن، والإنصات، وكانوا إذا سمعوا القرآن رفعوا أصواتهم بالدعاء عند ذكر الجنة أو النار، عن ابن زيد، ومجاهد، وابن جريج. قال الجبائي: وفي الآية دليل على أن الذين يرفعون أصواتهم عند الدعاء، ويجهرون به مخطؤون، وعلى خلاف الصواب.
ثم ذكر سبحانه ما يبعث إلى الذكر، ويدعو إليه، فقال: (إن الذين عند ربك) وهم الملائكة، عن الحسن، وغيره (لا يستكبرون عن عبادته) معناه: إنهم مع جلالة قدرهم، وعلو أمرهم، يعبدون الله ويذكرونه. وفائدته: إنكم إن استكبرتم عن عبادته، فمن هو أعظم حالا منكم لا يستكبر عنها، وإنما قال: (عند ربك) تشريفا للملائكة بإضافتهم إلى نفسه، ولم يرد به قرب المكان تعالى الله عن ذلك، وتقدس. وقيل معناه: إنهم في المكان الذي شرفه الله تعالى، ولا يملك عليهم الحكم إلا الله تعالى، بخلاف البشر، كما يقال: عند الأمير كذا وكذا من الجند، والمراد أنهم في حكمه، وتحت أمره، وعند فلان كذا من المال، ولا يراد به أن ذلك