بما تقدم من المعجزات، فيكون الصرف بأن لا يظهرها جملة، أو بأن يصرفهم عن مشاهدتها، ويظهرها بحيث ينتفع بها غيرهم، وهذا الوجه اختاره القاضي، لأن ما بعده يليق به من قوله (وإن يروا سبيل الرشد) إلى آخر الآية.
وثالثها: إن معناه سأمنع الكذابين والمتكبرين آياتي ومعجزاتي، وأصرفهم عنها، وأخص بها الأنبياء، فلا أظهرها إلا عليهم، وإذا صرفهم عنها، فقد صرفهم عنهم، وكلا اللفظين يفيد معنى واحدا، فليس لأحد أن يقول هلا قال سأصرف آياتي عن الذين يتكبرون، وهذا يبطل قول من قال إن الله تعالى جعل النيل في أمر فرعون، فكان يجري بأمره، ويقف وما شاكل ذلك.
ورابعها: أن يكون الصرف معناه المنع من إبطال الآيات والحجج، والقدح فيها بما يخرجها عن كونها أدلة وحججا، ويكون تقدير الآية: إني أصرف المبطلين والمكذبين عن القدح في دلالاتي بما أؤيدها وأحكمها من الحجج والبينات، ويجري ذلك مجرى قول أحدنا: إن فلانا منع أعداءه بأفعاله الحميدة، وأخلاقه الكريمة من ذمه وتهجينه، وأخرس ألسنتهم عن الطعن فيه، وإنما يريد المعنى الذي ذكرناه ويكون على هذا قوله (ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا) راجعا إلى ما قبله بلا فصل من قوله (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا) ولا يرجع إلى قوله (سأصرف).
وخامسها: إن المراد سأصرف عن إبطال آياتي، والمنع من تبليغها، هؤلاء المتكبرين بالإهلاك، أو المنع من غير إهلاك، فلا يقدرون على القدح فيها، ولا على قهر مبلغيها، ولا على منع المؤمنين من اتباعها، والإيمان بها، وهو نظير قوله:
(والله يعصمك من الناس)، ويكون (الآيات) في هذا الوجه القرآن، وما جرى مجراه، من كتب الله، التي تحملتها الأنبياء عليهم السلام، ويكون قوله (ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا) على هذا متعلقا أيضا بقوله (وإن يروا سبيل الرشد) إلى ما بعده.
ومعنى قوله (الذين يتكبرون في الأرض) أي: يرون لأنفسهم فضلا على الناس، وحقا ليس لغيرهم مثله، فيحملهم ذلك على ترك اتباع الأنبياء أنفة من الانقياد لهم، والقبول منهم. وقوله: (بغير الحق) تأكيد وبيان أن التكبر لا يكون إلا بغير الحق كقوله (ويقتلون النبيين بغير الحق) وقد مضى ذكر أمثاله.
(وإن يروا كل آية) أي: كل حجة ودلالة تدل على توحيد الله، وصحة نبوة