فيكون المعنى: كما لا يشاء الله عبادة الأصنام والقبائح، لأن ذلك لا يليق بحكمته، فكذلك لا نعود في ملتكم، عن جعفر بن حرب. وثالثها: إن المراد إلا أن يشاء الله أن يمكنكم من اكراهنا ويخلي بينكم وبينه، فنعود إلى إظهارها مكرهين، ويقوي هذا قوله: أو لو كنا كارهين ورابعها: أن تعود الهاء التي في قوله: (فيها)، إلى القرية، لا إلى الملة، لأن ذكر القرية قد تقدم، كما أن ذكر الملة تقدم، فيكون تحقيق الكلام: إنا سنخرج من قريتكم، ولا نعود فيها، إلا أن يشاء الله بما ينجزه لنا من الوعد في الإظهار عليكم، والظفر بكم، فنعود فيها وخامسها: أن يكون المعنى إلا أن يشاء الله أن يردكم إلى الحق، فنكون جميعا على ملة واحدة غير مختلفة، لأنه لما قال حاكيا عنهم، (أو لتعودن في ملتنا) كان معناه: أو لنكونن على ملة واحدة غير مختلفة، فحسن أن يقول من بعد: (إلا أن يشاء الله أن يجمعكم معنا على ملة واحدة).
فإن قيل: فكأن الله تعالى ما شاء أن يرجع الكفار إلى الحق؟ قلنا: بلى قد شاء ذلك، إلا أنه إنما شاء بأن يؤمنوا مختارين، ليستحقوا الثواب، ولم يشأ على كل حال، إذ لو شاءه على كل حال، جاز ألا يقع منهم ذلك، فكأنه قال: إن ملتنا لا تكون واحدة ابدا، إلا أن يشاء الله أن يلجئكم إلى الإيمان والاجتماع معنا على ملتنا.
(وسع ربنا كل شئ علما) انتصب (علما) على التمييز، وتقديره: وسع علم ربنا كل شئ، فنقل الفعل إلى نفسه، لما فيه من جزالة اللفظ، وفخامة المعنى. وقيل في وجه اتصاله بما قبله: إن الملة إنما يتعبد بها على حسب ما في المعلوم من المصلحة، فالمعنى أنه سبحانه أحاط علمه بكل شئ، فهو أعلم بما هو أصلح لنا، فيتعبدنا به. وقيل: إن المراد به أنه عالم بما يكون منا من عود أو ترك.
(على الله توكلنا) في الإنتصار منكم، وفي كل أمورنا (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) هذا سؤال من شعيب، ورغبة منه إلى الله، في أن يحكم بينه وبين قومه بالحق، على سبيل الانقطاع إليه سبحانه، وإن كان من المعلوم أن الله سيفعله لا محالة. وقيل: إن معناه: اكشف بيننا وبين قومنا، وبين أينا على حق، وهذا استعجال منه للنصر (وأنت خير الفاتحين) أي: خير الحاكمين والفاصلين.