اللاحق بها، فهي التي للتنبيه، لحقت أولا، لأن لفظ الأمر قد يحتاج إلى استعطاف المأمور به، واستدعاء إقباله على الأمر، فهو لذلك يقرب من المنادى. ومن ثم دخل حرف التنبيه في ألا يا اسجدوا، ألا ترى أنه أمر، كما أن هذا أمر، وقد دخل في جمل أخر نحوها أنتم هؤلاء، فكما دخل في هذه المواضع، كذلك لحقت في لم إلا أنه كثر الاستعمال معها، فغير بالحذف لكثرة الاستعمال، كأشياء تغير لذلك، نحو: لم أبل (1)، ولم أدر (2). وما أشبه ذلك مما يغير للكثرة.
المعنى: لما تقدم الرد على المشركين لاعتقاداتهم الباطلة، رد عليهم سبحانه هنا مقالتهم الفاسدة، فقال: (سيقول الذين أشركوا) أي: سيحتج هؤلاء المشركون في إقامتهم على شركهم، وفي تحريمهم ما أحل الله تعالى، بأن يقولوا (لو شاء الله ما أشركنا) أي: لو شاء الله أن لا نعتقد الشرك، ولا نفعل التحريم. (ولا آباؤنا) وأراد منا خلاف ذلك، ما أشركنا ولا آباؤنا (ولا حرمنا من شئ) أي: شيئا من ذلك. ثم كذبهم الله تعالى، في ذلك بقوله: (كذلك) أي: مثل هذا التكذيب الذي كان من هؤلاء في أنه منكر (كذب الذين من قبلهم) وإنما قال (كذب) بالتشديد، لأنهم بهذا القول كذبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في قوله لهم إن الله سبحانه أمركم بتوحيده، وترك الإشراك به، وترك التحريم لهذه الأنعام، فكانوا بقولهم: إن الله تعالى أراد منا ذلك، وشاءه، ولو أراد غيره ما فعلناه، مكذبين للرسول عليه السلام، كما كذب من تقدمهم أنبياءهم، فيما أتوا به من قبل الله تعالى.
(حتى ذاقوا بأسنا) أي: حتى نالوا عذابنا. وقيل: معناه أصابوا العذاب المعجل، ودل ذلك على أن لهم عذابا مدخرا عند الله تعالى، لأن الذوق أول إدراك الشئ (قل) يا محمد لهم، جوابا عما قالوه من أن الشرك بمشيئة الله تعالى (هل عندكم من علم) أي: حجة تؤدي إلى علم. وقيل: معناه هل عندكم علم فيما تقولونه (فتخرجوه لنا) أي: فتخرجوا ذلك العلم، أو تلك الحجة لنا، بين سبحانه بهذا أنه ليس عندهم علم ولا حجة فيما يضيفونه إلى الله تعالى، وأن ما قالوه باطل، ثم أكد سبحانه الرد عليهم وتكذيبهم في مقالتهم بقوله (إن تتبعون إلا الظن) أي: ما تتبعون فيما تقولونه إلا الظن والتخمين (وإن أنتم إلا تخرصون) أي: إلا تكذبون في