الحجة: قال أبو علي: قراءة ابن كثير، وحمزة، محمولة على المعنى، كأنه قال: إلا أن تكون العين والنفس ميتة، ألا ترى أن المحرم لا يخلو من جواز العبارة عنه، بأحد هذه الأشياء، وليس قوله (إلا أن يكون) كقولك جاءني القوم لا يكون زيدا، وليس زيدا في أن الضمير الذي يتضمنه من الاستثناء لا يظهر، ولا يدخل الفعل علامة التأنيث، لأن الفعل إنما يكون عاريا من علامة التأنيث، ومن أن يظهر معه الضمير، إذا لم يدخل عليه أن فأما إذا دخله أن فعلى حكم سائر الأفعال.
ومن قرأ بالياء، ونصب (ميتة): فإنه جعل فيه ضميرا مما تقدم، وهو أقيس مما تقدم ذكره، أي: إلا أن يكون الموجود ميتة. ومن قرأ (إلا أن تكون ميتة):
فألحق علامة التأنيث الفعل، كما ألحق في قوله (قد جاءتكم موعظة)، وتقديره:
إلا أن تقع ميتة.
المعنى: لما قدم سبحانه، ذكر ما حرمه المشركون، عقبه ببيان المحرمات، فقال: (قل) يا محمد لهؤلاء (لا أجد فيما أوحي إلي) أي: ما أوحاه الله تعالى إلي، شيئا (محرما على طاعم يطعمه) أي: على آكل يأكله (إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا) أي: مصبوبا، وإنما خص المصبوب بالذكر، لأن ما يختلط باللحم منه، مما لا يمكن تخليصه منه، معفو عنه مباح (أو لحم خنزير) إنما خص الأشياء الثلاثة هنا بذكر التحريم، مع أن غيرها محرم، فإنه سبحانه ذكر في المائدة تحريم المتخنقة، والموقودة، والمتردية، وغيرها، لأن جميع ذلك يقع عليه اسم الميتة، فيكون في حكمها، فأجمل هاهنا، وفصل هناك.
وأجود من هذا أن يقال: إنه سبحانه خص هذه الأشياء بالتحريم، تعظيما لحرمتها، وبين تحريم ما عداها في مواضع أخر، إما بنص القرآن، وإما بوحي غير القرآن، وأيضا فإن هذه السورة مكية، والمائدة مدنية، فيجوز أن يكون غير ما في الآية من المحرمات، إنما حرم فيما بعد، والميتة عبارة عما كان فيه حياة، فقدت من غير تذكية شرعية.
(فإنه رجس، أي: نجس، والرجس اسم لكل شئ مستقذر منفور عنه، والرجس أيضا العذاب. والهاء في قوله (فإنه) عائد إلى ما تقدم ذكره، فلذلك ذكره (أو فسقا) عطف على قوله (أو لحم خنزير) فلذلك نصبه (أهل لغير الله به) أي: