من الحجارة والموات (هو الذي خلقكم من طين) يعني به آدم. والمعنى أنشأ أباكم، واخترعه من طين، وأنتم من ذريته، فلما كان آدم أصلنا، ونحن من نسله، جاز أن يقول لنا (خلقكم من طين). (ثم قضى أجلا) أي: كتب وقدر أجلا، والقضاء يكون بمعنى الحكم، وبمعنى الأمر، وبمعنى الخلق، وبمعنى الإتمام والإكمال (وأجل مسمى عنده) قيل فيه أقوال أحدها: إنه يعني بالأجلين: أجل الحياة إلى الموت، وأجل الموت إلى البعث وقيام الساعة، عن الحسن، وسعيد بن المسيب، وقتادة والضحاك، واختاره الزجاج. وروى أيضا عطاء، عن ابن عباس قال: قضى أجلا من مولده إلى مماته، وأجل مسمى عنده من الممات إلى البعث، لا يعلم ميقاته أحد سواه، فإذا كان الرجل صالحا، واصلا لرحمه، زاد الله له في أجل الحياة، ونقص من أجل الممات إلى البعث، وإذا كان غير صالح، ولا واصل، نقصه الله من أجل الحياة، وزاد في أجل المبعث. قال: وذلك قوله:
(وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب). وثانيها: إنه الأجل الذي يحيا به أهل الدنيا إلى أن يموتوا، وأجل مسمى عنده: يعني الآخرة، لأنه أجل دائم ممدود، لا آخر له، وإنما قال (مسمى عنده) لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، في السماء، وهو الموضع الذي لا يملك فيه الحكم على الخلق سواه، عن الجبائي، وهو قول سعيد بن جبير، ومجاهد. وثالثها: إن (أجلا) يعني به: أجل من مضى من الخلق، و (أجل مسمى عنده) يعني به: آجال الباقين، عن أبي مسلم.
ورابعها: إن قوله: (قضى أجلا) عنى به النوم، يقبض الروح فيه، ثم يرجع إلى صاحبه عند اليقظة. (وأجل مسمى عنده): هو أجل موت الانسان، وهو المروي عن ابن عباس. ويؤيده قوله: (ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى): والأصل في الأجل هو الوقت. فأجل الحياة هو الوقت الذي يكون فيه الحياة. وأجل الموت، أو القتل هو الوقت الذي يحدث فيه الموت أو القتل، وما يعلم الله تعالى أن المكلف يعيش إليه لو لم يقتل لا يسمى أجلا حقيقة، ويجوز أن يسمى ذلك مجازا، وما جاء في الأخبار من أن صلة الرحم تزيد في العمر، والصدقة تزيد في الأجل، وأن الله تعالى زاد في أجل قوم يونس، وما أشبه ذلك، فلا مانع من ذلك.
وقوله: (ثم أنتم تمترون) خطاب للكفار الذين شكوا في البعث والنشور، واحتجاج عليهم، بأنه سبحانه خلقهم ونقلهم من حال إلى حال، وقضى عليهم