ينظرون) أي: لأهلكوا بعذاب الاستئصال، عن الحسن، وقتادة، والسدي.
وقيل: معناه لو أنزلنا ملكا في صورته، لقامت الساعة، أو وجب استئصالهم، عن مجاهد.
ثم قال تعالى (ولو جعلناه ملكا) أي: لو جعلنا الرسول ملكا، أو الذي ينزل عليه ليشهد بالرسالة، كما يطلبون ذلك (لجعلناه رجلا) لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته، لأن أعين الخلق تحار عن رؤية الملائكة الا بعد التجسم بالأجسام الكثيفة، ولذلك كانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنس، وكان جبرائيل يأتي النبي صلى الله عليه وا له وسلم في صورة دحية الكلبي، وكذلك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب، وإتيانهم إبراهيم ولوطا في صورة الضيفان من الآدميين. (وللبسنا عليهم ما يلبسون) قال الزجاج: كانوا هم يلبسون على ضعفتهم في أمر النبي، فيقولون:
إنما هذا بشر مثلكم فقال: لو أنزلنا ملكا فرأوا هم الملك رجلا، لكان يلحقهم فيه من اللبس، مثل ما لحق ضعفتهم منهم، أي: فإنما طلبوا حال لبس لا حال بيان، وهذا احتجاج عليهم بأن الذي طلبوه، لا يزيدهم بيانا، بل يكون الأمر في ذلك على ما هم عليه من الحيرة.
وقيل: معناه ولو أنزلنا ملكا، لما عرفوه الا بالتفكر، وهم لا يتفكرون، فيبقون في اللبس الذي كانوا فيه، فأضاف اللبس إلى نفسه، لأنه يقع عند إنزاله الملائكة.
ثم قال سبحانه على سبيل التسلية لنبيه من تكذيب المشركين إياه واستهزائهم به:
(ولقد استهزئ برسل من قبلك) يقول: لقد استهزأت الأمم الماضية برسلها، كما استهزأ بك قومك، فلست بأول رسول استهزئ به، ولا هم أول أمة استهزأت برسولها.
(فحاق بالذين سخروا منهم) أي: فحل بالساخرين منهم (ما كانوا به يستهزئون) من وعيد أنبيائهم بعاجل العقاب في الدنيا، وقيل: معنى حاق بهم:
أحاط بهم، عن الضحاك، وهو اختيار الزجاج، أي: أحاط بهم العذاب الذي هو جزاء استهزائهم، فهو من باب حذف المضاف إذا جعلت ما في قوله: (ما كانوا به يستهزئون) عبارة عن القرآن والشريعة. وإن جعلت (ما) عبارة عن العذاب الذي كان يوعدهم به النبي، إن لم يؤمنوا، استغنيت عن تقدير حذف المضاف، ويكون المعنى: فحاق بهم العذاب الذي كانوا يسخرون من وقوعه.