بأن لا يعذبهم عند التكذيب، كما عذب من قبلهم من الأمم الماضية، والقرون الخالية، عند التكذيب، بل يؤخرهم إلى يوم القيامة، عن الكلبي.
(ليجمعنكم إلى يوم القيامة) أي: ليؤخرن جمعكم إلى يوم القيامة، فيكون تفسيرا ل (الرحمة)، على ما ذكرناه أن المراد به إمهال العاصي ليتوب. وقيل: إن هذا احتجاج على من أنكر البعث والنشور، ويقول: ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه، كما تقول: جمعت هؤلاء إلى هؤلاء، أي: ضممت بينهم في الجمع، يريد بجمع آخركم إلى أولكم، قرنا بعد قرن، إلى يوم القيامة وهو الذي (لا ريب فيه) وقيل: معناه ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم إلى هذا اليوم الذي يجحدونه، ويكفرون به، عن الأخفش.
ويسأل عن هذا فيقال: كيف يحذر المشركين بالبعث، وهم لا يصدقون به؟
والجواب: إنه جار مجرى الإلزام، وأيضا فإنه تعالى إنما ذكر ذلك عقيب الدليل.
ويقال: كيف نفى الريب مطلقا، فقال: (لا ريب فيه) والكافر مرتاب فيه؟
والجواب: إن الحق حق، وإن ارتاب فيه المبطل، وأيضا فإن الدلائل تزيل الشك والريب، فإن نعم الدنيا تعم المحسن والمسئ، فلا بد من دار يتميز فيه المحسن من المسئ. وأيضا فقد صح أن التكليف تعريف للثواب، وإذا لم يمكن إيصال الثواب في الدنيا، لأن من شأنه أن يكون صافيا من الشوائب، فلا يكون مقترنا بالتكليف، لأن التكليف لا يعرى من المشقة، فلا بد من دار أخرى. وأيضا فإن التمكين من الظلم، من غير انتصاف في العاجل، وإنزال الأمراض من غير استحقاق ولا إيفاء عوض في العاجل، توجب قضية العقل في ذلك أن يكون دار أخرى توفى فيها الأعواض، وينتصف من المظلوم للظالم.
(الذين خسروا أنفسهم) أي: أهلكوها بارتكاب الكفر والعناد (فهم لا يؤمنون) أي: لا يصدقون بالحق، ولما ذكر تعالى ملك السماوات والأرض، عقبه بذكر ما فيهما، فقال: (وله ما سكن) أي: وله كل متمكن ساكن (في الليل والنهار) خلقا، وملكا، وملكا، وإنما ذكر الليل والنهار هنا، وذكر السماوات والأرض فيما قبل، لأن الأول يجمع المكان، والثاني يجمع الزمان، وهما ظرفان لكل موجود، فكأنه أراد الأجسام والأعراض. وعلى هذا فلا يكون السكون في الآية ما هو خلاف الحركة، بل المراد به الحلول كما قال ابن الأعرابي: إنه من قولهم: فلان