سبحانه الكفر بالموت، والإيمان بالحياة، وقيل: معناه من كان نطفة فأحييناه، كقوله: (وكنتم أمواتا فأحياكم) (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) قيل فيه وجوه أحدها: إن المراد بالنور: العلم والحكمة، سمى سبحانه ذلك نورا، والجهل ظلمة، لأن العلم يهتدى به إلى الرشاد، كما يهتدى بالنور في الطرقات. وثانيها:
إن المراد بالنور هنا القرآن، عن مجاهد وثالثها: إن المراد به الإيمان، عن ابن عباس.
(كمن مثله في الظلمات) لم يقل سبحانه كمن هو في الظلمات (1) تقديره كمن مثله مثل من هو في الظلمات، يعني به الكافر الذي هو في ظلمة الكفر. وقيل:
معناه كمن هو في ظلمات الكفر (ليس بخارج منها) لكنه ذكره بلفظ المثل ليبين أنه بلغ في الكفر والحيرة غاية يضرب به المثل فيها، وإنما سمى الله تعالى الكافر ميتا، لأنه لا ينتفع بحياته، ولا ينتفع غيره بحياته، فهو أسوأ حالا من الميت، إذ لا يوجد من الميت ما يعاقب عليه، ولا يتضرر غيره به، وسمى المؤمن حيا، لأن له ولغيره المصلحة والمنفعة في حياته، وكذلك سمى الكافر ميتا والمؤمن حيا، في عدة مواضع، مثل قوله (إنك لا تسمع الموتى ولينذر من كان حيا) وقوله (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) وسمى القرآن، والإيمان، والعلم: نورا، لأن الناس يبصرون بذلك، ويهتدون به من ظلمات الكفر، وحيرة الضلالة، كما يهتدى بسائر الأنوار، وسمى الكفر ظلمة، لأن الكافر لا يهتدي بهداه، ولا يبصر أمر رشده، وهذا كما سمى الكافر أعمى في قوله (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى) وقوله (وما يستوي الأعمى والبصير).
(كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون) وجه التشبيه بالكافر أن معناه زين لهؤلاء الكفر، فعملوه، مثل ما زين لأولئك الإيمان فعملوه، فشبه حال هؤلاء في التزيين بحال أولئك فيه كما قال سبحانه: (كل حزب بما لديهم فرحون). وروي عن الحسن أنه قال زينه. والله لهم الشيطان وأنفسهم، واستدل بقوله (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) وقوله (زين) لا يقتضي مزينا غيرهم، لأنه بمنزلة قوله تعالى:
(أني يصرفون وأنى يؤفكون) وقول العرب أعجب فلان بنفسه، وأولع بكذا، ومثله كثير.