جهلكم، فكلوا. والمراد به الإباحة، وإن كانت الصيغة صيغة الأمر (مما ذكر اسم الله عليه) يعني: ذكر اسم الله عند ذبحه دون الميتة، وما ذكر عليه اسم الأصنام، والذكر: هو قول: (بسم الله) وقيل: هو كل اسم يختص الله تعالى به، أو صفة تختصه، كقول باسم الرحمن، أو باسم القديم، أو باسم القادر لنفسه، أو العالم لنفسه، وما يجري مجراه، والأول مجمع على جوازه والظاهر يقتضي جواز غيره لقوله سبحانه (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى).
(إن كنتم بآياته مؤمنين) بأن عرفتم رسوله وصحة ما أتاكم به من عند الله، فكلوا ما أحل دون ما حرم. وفي هذه الآية دلالة علن وجوب التسمية على الذبيحة، وعلى أن ذبائح الكفار لا يجوز أكلها، لأنهم لا يسمون الله تعالى عليها، ومن سمى منهم لا يعتقد وجوب ذلك حقيقة، ولأنه يعتقد أن الذي يسميه هو الذي أبد شرع موسى، أو عيسى، فإذا لا يذكرون الله تعالى حقيقة.
(وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) قد ذكرنا إعرابه في سورة البقرة، عند قوله: (وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله) وتقديره: أي شئ لكم في أن لا تأكلوا؟
فيكون (ما) للاستفهام، وهو اختيار الزجاج، وغيره من البصريين، ومعناه ما الذي يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عند ذبحه. وقيل: معناه ليس لكم أن لا تأكلوا، فيكون (ما) للنفي (وقد فصل لكم) أي: بين لكم (ما حرم عليكم) قيل: هو ما ذكر في سورة المائدة من قوله (حرمت عليكم الميتة والدم) الآية:
واعترض على هذا بأن سورة المائدة نزلت بعد الأنعام بمدة، فلا يصح أن يقال أنه فصل، إلا أن يحمل على أنه بين على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد ذلك نزل به القرآن. وقيل: إنه ما فصل في هذه السورة في قوله: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) الآية.
(إلا ما اضطررتم إليه) معناه: إلا ما خفتم على نفوسكم الهلاك من الجوع إذا تركتم التناول منه، فحينئذ يجوز لكم تناوله، وإن كان مما حرمه الله. واختلف في مقدار ما يسوغ تناوله عند الاضطرار: فعندنا لا يجوز أن يتناول إلا ما يمسك به الرمق. وقال قوم: يجوز أن يشبع المضطر منها. وأن يحمل منها معه، حتى يجد ما يأكل. وقال الجبائي: في هذه الآية دلالة على أن ما يكره على أكله من هذه الأجناس، يجوز أكله لأن المكره يخاف على نفسه مثل المضطر.