الرسالة وكلفها فكذلك ما قرن به من شرح الصدر. والدليل على أن الهدى قد يكون إلى الثواب قوله (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم).
ومعلوم أن الهداية بعد القتل لا تكون إلا إلى الثواب، فليس بعد الموت تكليف، وقد وردت الرواية الصحيحة أنه لما نزلت هذه الآية، سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شرح الصدر ما هو؟ فقال: نور يقذفه الله في قلب المؤمن، فينشرح له صدره، وينفسح. قالوا: فهل لذلك من إمارة يعرف بها؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت.
وثانيها: إن معنى الآية فمن يرد الله ان يثبته على الهدى، يشرح صدره من الوجه الذي ذكرناه، جزاء له على إيمانه واهتدائه، وقد يطلق لفظ الهدى والمراد به الاستدامة كما قلناه في قوله (إهدنا الصراط المستقيم).
(ومن يرد أن يضله) أي: يخذله، ويخلي بينه وبين ما يريده لاختياره الكفر، وتركه الإيمان (يجعل صدره ضيقا حرجا) بأن يمنعه الألطاف التي يشرح لها صدره لخروجه من قبولها بإقامته على كفره.
فإن قيل: إنا نجد الكافر غير ضيق الصدر، لما هو فيه، ونراه طيب القلب على كفره، فكيف يصح الخلف في خبره سبحانه؟ قلنا إنه سبحانه بين أنه يجعل صدره ضيقا، ولم يقل في كل حال، ومعلوم من حاله في أحوال كثيرة، أنه يضيق صدره بما هو فيه من ورود الشبه والشكوك عليه، وعندما يجازي الله تعالى المؤمن على استعمال الأدلة الموصلة إلى الإيمان، وهذا القدر هو الذي يقتضيه الظاهر.
وثالثها: إن معنى الآية من يرد الله أن يهديه زيادة الهدى التي وعدها المؤمن (يشرح صدره) لتلك الزيادة، لأن من حقها أن تزيد المؤمن بصيرة، ومن يرد ان يضله عن تلك الزيادة بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه من أن يصح عليه (يجعل صدره ضيقا حرجا) لمكان فقد تلك الزيادة، لأنها إذا اقتضت في المؤمن ما قلناه، أوجب في الكافر ما يضاده، ويكون الفائدة في ذلك الترغيب في الإيمان، والزجر عن الكفر. وهذا التأويل قريب مما تقدمه.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: (إنما سمى الله قلب الكافر حرجا، لأنه لا