يصل الخير إلى قلبه) وفي رواية أخرى: (لا تصل الحكمة إلى قلبه). ولا يجوز أن يكون المراد بالإضلال في الآية: الدعاء إلى الضلال، ولا الأمر به، ولا الإجبار عليه، لإجماع الأمة على أن الله تعالى لا يأمر بالضلال، ولا يدعو إليه، فكيف يجبر عليه، والدعاء إليه أهون من الإجبار عليه، وقد ذم الله تعالى فرعون والسامري على إضلالهما عن دين الهدى في قوله (وأضل فرعون قومه وما هدى) وقوله (فأضلهم السامري).
ولا خلاف في أن إضلالهما إضلال أمر، وإجبار، ودعاء، وقد ذمهما الله تعالى عليه مطلقا، فكيف يتمدح بما ذم عليه غيره؟.
قوله (كأنما يصعد في السماء) فيه وجوه أحدها. إن معناه كأنه قد كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الاسلام، من ضيق صدره عنه، أو كأن قلبه يصعد في السماء نبوا (1) عن الاسلام والحكمة، عن الزجاج وثانيها: إن معنى (يصعد) كأنه يتكلف مشقة في ارتقاء صعود، وعلى هذا قيل عقبة عنوت وكؤود، عن أبي علي الفارسي قال: ولا يكون السماء في هذا القول المظلة للأرض، ولكن كما قال سيبويه القيدود: الطويل في غير سماء أي: في غير ارتفاع صعدا. وقريب منه ما روي عن سعيد بن جبير أن معناه كأنه لا يجد مسلكا إلا صعدا وثالثها: إن معناه كأنما ينزع قلبه إلى السماء، لشدة المشقة عليه في مفارقة مذهبه.
(كذلك يجعل الله الرجس) أي: العذاب عن ابن زيد، وغيره من أهل اللغة.
وقيل: هو ما لا خير فيه، عن مجاهد (على الذين لا يؤمنون) وفي هذا دلالة على صحة التأويل الأول، لأنه تعالى بين أن الإضلال المذكور في الآية كان على وجه العقوبة على الكفر، ولو كان المراد به الإجبار على الكفر، لقال: كذلك لا يؤمن من جعل الله الرجس على قلبه، ووجه التشبيه في قوله (كذلك يجعل الله الرجس) أنه يجعل الرجس على هؤلاء، كما يجعل ضيق الصدر في قلوب أولئك، وأن كل ذلك على وجه الاستحقاق. وروى العياشي بإسناده، عن أبي بصير، عن خيثمة، قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (إن القلب يتقلب من لدن موضعه إلى حنجرته، ما لم يصب الحق، فإذا أصاب الحق قر، ثم قرأ هذه الآية).