أمير المؤمنين عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا تخاصم إليه رجلان قال للمدعي: ألك حجة؟ فان أقام بينة يرضاها ويعرفها أنفذ الحكم على المدعى عليه، وإن لم يكن له بينة حلف المدعى عليه بالله ما لهذا قبله ذلك الذي ادعاه ولا شئ منه، وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شر قال للشهود: أين قبائلكما؟ فيصفان، أين سوقكما؟ فيصفان، أين منزلكما؟ فيصفان، ثم يقيم الخصوم والشهود بين يديه ثم يأمر فيكتب أسامي المدعي والمدعى عليه والشهود، ويصف ما شهدوا به، ثم يدفع ذلك إلى رجل من أصحابه الخيار، ثم مثل ذلك إلى رجل آخر من خيار أصحابه، ثم يقول: ليذهب كل واحد منكما من حيث لا يشعر الاخر إلى قبائلهما وأسواقهما ومحالهما والربض الذي ينزلانه، فيسأل عنهما، فيذهبان ويسألان، فان أتوا خيرا وذكروا فضلا رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبراه أحضر القوم الذي أثنوا عليهما، وأحضر الشهود، فقال للقوم المثنين عليهما: هذا فلان بن فلان وهذا فلان ابن فلان أتعرفونهما؟ فيقولون: نعم، فيقول: إن فلانا وفلانا جاءني عنكم فيما بيننا بجميل وذكر صالح أنكما قالا، فان قالوا: نعم قضى حينئذ بشهادتهما على المدعى عليه، فان رجعا بخبر سيئ وثناء قبيح دعا بهم، فيقول: أتعرفون فلانا وفلانا؟ فيقولون: نعم، فيقول: اقعدوا حتى يحضرا، فيقعدون فيحضرهما فيقول للقوم: أهما هما؟ فيقولون: نعم، فإذا ثبت عنده ذلك لم يهتك سترا بشاهدين ولا عابهما ولا وبخهما، ولكن يدعو الخصوم إلى الصلح فلا يزال بهم حتى يصطلحوا لئلا يفتضح الشهود، ويستر عليهم، وكان رؤوفا رحيما عطوفا على أمته، فإن كان الشهود من أخلاط الناس غرباء لا يعرفون، ولا قبيلة لهما ولا سوق ولا دار، أقبل على المدعى عليه فقال: ما تقول فيهما؟ فان قال: ما عرفنا إلا خيرا غير أنهما قد غلطا فيما شهدا على، أنفذ شهادتهما، وإن جرحهما وطعن عليهما أصلح بين الخصم وخصمه، وأحلف المدعى عليه، وقطع الخصومة بينهما. أقول: وتقدم ما يدل على ذلك.
(١٧٥)