قلنا: إذا أحرم بالحج متمتعا وجب عليه الدم ويستقر في ذمته، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال عطاء: لا يجب حتى يقف بعرفة، وقال مالك: لا يجب حتى يرمي جمرة العقبة، دليلنا قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، فجعل تعالى الحج غاية لوجوب الهدي فالغاية وجود أول الحج دون إكماله يدل عليه قوله تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل، كانت الغاية دخول أول الليل دون إكماله كله، وإجماع أصحابنا أيضا منعقد على ذلك إلا أنهم أجمعوا على أنه لا يجوز الصيام إلا يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة وقبل ذلك لا يجوز ولولا إجماعهم لجاز ذلك لعموم الآية.
وصيام هذه الأيام يجوز سواء أحرم بالحج أو لم يحرم ولأجل الاجماع من أصحابنا أيضا وإلا فما كان يجوز الصيام إلا بعد إحرام الحج لأنه قال تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج، فجعل الحج غاية لوجوب الهدي فإذا لم يحرم ما وجدت الغاية بل الاجماع مخصص لذلك، ويمكن أن يقال: العمرة المتمتع بها إلى الحج حج وحكمها حكم الحج لأنها لا تنعقد الإحرام بها إلا في أشهر الحج، فعلى هذا إذا أحرم بها فقد وجد أول الحج إذا تلبس بالصوم ثم وجد الهدي لم يجب عليه أن يعود إليه وله المضي فيه وله الرجوع إلى الهدي بل هو الأفضل.
ومن لم يصم الثلاثة الأيام وخرج عقيب أيام التشريق صامها في الطريق، فإن لم يتمكن صامهن مع السبعة الأيام إذا رجع إلى أهله إذا كان ذلك قبل أن يهل المحرم، فإن أهل المحرم استقر في ذمته الدم على ما بيناه، ولا بأس بتفريق صوم السبعة الأيام.
والمتمتع إذا كان مملوكا وحج بإذن مولاه كان فرضه الصيام، فإن أعتق العبد قبل انقضاء الوقوف بالمشعر الحرام كان عليه الهدي ولم يجزه الصوم مع الإمكان، فإن لم يقدر عليه كان حكمه حكم الأحرار في الأصل على ما فصلناه، والصوم بعد أيام التشريق يكون أداء لا قضاء لأن وقته باق، وإذا أحرم بالحج ولم يكن صام ثم وجد الهدي لم يجز له الصوم، فإن مات وجب أن يشترى الهدي من تركته من أصل المال لأنه دين عليه.
ولا يجوز أن يذبح الهدي الواجب في الحج والعمرة المتمتع بها إلى الحج إلا بمنى يوم النحر أو بعده فإن ذبح بمكة أو بغير منى لم يجزه، وما ليس بواجب جاز ذبحه أو نحره