الادمان عليه أن يورثه قولنجا يعسر انحلاله. وأما على سبيل الدواء، فإن استعماله على الريق أفضل لا محالة لان استعماله بعد الطعام يطلق البطن، وزائد في ضعف المعدة لأنه بإفراط قبضه، يجمع أعلى المعدة ويقهر القوة الماسكة التي في أسفلها.
وأما القابض فلانه مركب من جوهر أرضى وجوهر مائي، صار ألطف وأعدل وأكثر غذاء لان رطوبته أرق وأزيد، وجسمه ألين. ولذلك صار إضراره بالمعدة أقل، واستغنى عما يلطفه ويلينه ويعين على هضمه لأنه يقوم مقام العفص المدبر.
وأما المز، فلغلبة الحموضة عليه صار أرق وألطف وأخف على المعدة وأقمع لحدة الصفراء وأكثر تسكينا للعطش. ولذلك صار أحمد في قطع القئ. وأما قطع الاسهال، فإن فعله فيه أضعف من فعل العفص والقابض جميعا.
فإن قال قائل: فلم صار الحامض أحمد في تسكين العطش من العفص، والعفص أبرد منه والأبرد أولى بقطع العطش من غيره! قلنا له: إن العطش لا ينفك من جوه ثلاثة: لأنه لا يخلو من أن يكون إما عن جفاف في أعضاء بعيدة عن المعدة قد لزمتها حرارة نارية، وإما عن حرارة قوية في نفس المعدة، وإما عن بلغم مالح بورقي. فمن أي الجهات كان العطش، فالحامض أفعل منه وأفضل لان رطوبته لطيفة هوائية لذيذة عند الحاسة، ولا سيما إذا كانت مائلة إلى المرار، فإن كان العطش عن حرارة في أعضاء نائية عن المعدة، كان في لطافة رطوبة الحامض ما نفع ويفتح ويطرق وينفذ في باطن العروق، ويصل إلى الأعضاء المحتاجة إلى التبريد ويقمع حدة حرارتها ويبردها عن غير تجفيف. وإن كان العطش عن حرارة في جرم المعدة، سالت رطوبة الحامض برقتها ولطافتها، وحالت في المعدة ومازجت البخار وقمعت حدته وسكنت حره. وإن كان العطش عن بلغم مالح، مازجته الرطوبة أيضا وحللته وأذابته وكسرت حدة ملوحته وأفسدت خاصتها وفعلها، إذ كانت الحموضة تقوم للملوحة مقام الضد للضد، يفعل كل واحد منهما في خاصته ويزيل خاصته ويفسد فعله كما بينا وأوضحنا في المقالة الأولى من كتابنا هذا.
والشئ العفص فليس كذلك لان رطوبته أغلظ وأعسر انهضاما وأبعد من النفوذ في العروق والوصول إلى الأعضاء النائية عن المعدة لغلبة الأرضية المحضة عليها. ولذلك صار إذا كان العطش عن حرارة في الأعضاء النائية عن المعدة، وامتنعت الرطوبة عن السلوك في العروق لغلظها وأرضيتها، لم تصل إلى موضع الحرارة، ولم تفعل فيها لبعدها منها وثبت العطش ولم يسكن. وإن كان العطش عن حرارة في المعدة، خففت العفوصة البخار ومنعت من تحليله، وكان ذلك زائدا في اجتماعه واكتنازه وقوة فعله. وإن كان العطش عن بلغم مالح، جمعت العفوصة أجزاء البلغم ومنعت من انحلاله، وصار ذلك سببا لشدة قوته وزيادة فعله.
فإن قال قائل: فلم لا قلت على ما شرطته بدءا: لان العفوصة إذا وافت في المعدة بلغما