وأما لحمه فأكثر غذاء من لحم التين اليابس وأعون على إطلاق البطن. وإذا أسهل، كان إسهاله هين الانقطاع، إلا أنه ردئ للمعدة حار. وزعم ديسقوريدوس أنه يقطع العطش ويسكن الحرارة ويجلب العرق.
قال إسحاق بن سليمان: ما أعرف له شيئا يقطع به إلا أن يكون لأنه يملا العروق رطوبة. وإذا امتلأت العروق رطوبة، استغنت عما يرطبها. فهو لهذا يقطع العطش المتولد عن جفاف الأعضاء. وأما إحداثه العرق، فلانه ينقي الفضول إلى سطح البدن بتلطيف. ولذلك صار كثيرا ما يحدث الحصف (1).
وأما التين اليابس فحرارته في أول الدرجة الثانية، وهي في وسط الدرجة الأولى يبسة (2). ولذلك صار يسخن ويعطش ويستحيل إلى المرار. والغذاء المتولد عنه غير مستحصف ولا رخو، بل متوسط بين ذلك. إلا أنه أغذي الفواكه وأقلها نفخا، وإن كان لا ينفك من الفساد، ومن قبل أنه متى وافى في المعدة لطخا وفضولا، عسر انهضامه فيها، وبعد انحداره عنها وأبطأ في جولانه وانحصر في عمق البدن وولد رياحا ونفخا، وانتقل إلى دم فاسد مذموم، وأحدث في سطح البدن قملا وصئبانا، ذلك على حسب مقدار رطوبته في الرقة والغلظ، لأنه إن كان طريا رطبا كانت رطوبته أرق وقل لبثه في مسام البدن مدة يمكن معها أن تستكمل عفونتها ويتولد منها حيوان. وإذا كان التين يابسا كانت رطوبته أغلظ وأكثر لزوجة وأطول لبثا في مسام البدن. ولذلك يتولد عنها القمل والصئبان، لأنها لطول لبثها في مسام البدن تستكمل عفونتها وتنفذ وتصير حيوانا. ومتى وافى المعدة خالية من الغذاء نقية من الفضول، جاد انهضامه فيها وبعد منها بسرعة، ولطف غذاؤه، وأسرع في جولانه وفى خروجه من مسام البدن وانحداره من الكلى، وولد دما محمودا ولطف رطوبات البدن العفنة ونقاها إلى سطح البدن. وإن تعذر خروج الرطوبات العفنة من مسام البدن لغلظها، لبثت هناك زمانا واستكملت عفونتها وولدت قملا وصئبانا.
ولذلك صار التين محمودا من جهة، مذموما من جهة. فأما الجهة التي يحمد فيها، فلانه أقل مضرة من سائر الفواكه لما فيه من القوة الملطفة الكثيرة الجلاء المنقية. ولذلك صار مطلقا للبطن مدرا للبول منقيا للصدر والرئة والكلى والمثانة من الرطوبات الغليظة، حتى أنه يحدر مع البول شيئا شبيها بالرمل. ويوافق من به ربو، ومن تغير لونه من مرض مزمن وللمصروعين والمحبونين (3). وأما الكبد والطحال، فإنا لم نجد للتين وحده فيهما سدة وجسا (4) زاد فيهما، لحلاوته، فأضر بالكبد والطحال إلا أن يخلط معه بعض الأدوية التي لها تقطيع وتلطيف، فيكتسب بذلك منفعة في سدد الكبد والطحال ليست باليسيرة.
وأما الجهة التي يذم فيها، فهي أنه إذا بعد انحداره عن المعدة سريعا، غلظ غذاؤه وولد دما