وينبغي أن تستعمل ممزوجة بالماء حتى ترق وتقل حدتها. وقد تعطي مثل ذلك إذا طبخت بعسل النحل أو بالسكر طبرزد. ومن الناس من يطبخ هذه العصارة ساذجة ويتخذ منها شرابا.
* * * وأما العنب فهو شبيه بالتين في قلة رداءة الدم المتولد عنه، وفى فضله على سائر الفواكه في كثرة الغذاء، وفى أن اللحم المتولد عنه غير ملزز ولا مكتنز كاكتناز اللحم المتولد عن الخبز، لكنه منفوخ رهل، ولذلك صار المدمن عليه إذا ترك استعماله وأمسك عن أكله، ضمر بدنه بسرعة. وإن كان العنب أقل غذاء من التين كثيرا أو أسرع انحلالا من الأعضاء، إلا أنه له أربعة أجزاء هو منها مركب: أحدها:
القشر، والثاني: الحب، والثالث: اللحم، والرابع: الرطوبة التي يكون منها اللحم.
فأما الحب فبارد يابس قابض قريب من حب الحصرم في غلظه وصلابته. ولذلك صار ينحدر من المعدة وينفذ في المعاء من غير أن يحدث في شئ من أجزائه كسر ولا تغيير محسوس، إلا أن فيه حرارة يسيرة بها امتاز من حب الحصرم وصارت له قوة تهيج المعاء إلى دفعه بسرعة. ولذلك صار يسرع الانحدار والخروج قبل أن ينطحن. ولجالينوس في حب العنب والتين قول قال فيه: إن حب هاتين الثمرتين لا تبتل في المعدة ولا تنحل أصلا، لكنه ينحدر ويخرج بهيئته وصورته.
وأما قشر العنب فهو في طبيعته بارد يابس عصبي شبيه بقشر التين في عسر انهضامه وانحداره وامتناع استحالته، ولذلك لم يكن منه غذاء للبدن. ولجالينوس في قشر العنب والتين قول قال فيه: إن قشر هاتين الثمرتين متشابهين وهو لهما شبيه بالجلود للحيوان. وما أقل تغيره في البدن. ولذلك صار العنب إذا أخذ بقشره وحبه، عسر انهضامه وانحداره وكثرت رياحه ونفخه، وولد كيموسا بعيدا من الاستحالة إلى الدم، لأنه إذا لم ينهضم في المعدة جيدا، كان ما يصل منه إلى الكبد والعروق غليظا نيا غير منطبخ ولا ينهضم. وإذا كان كذلك ثقل على المعدة هضمه وأضر بها مضرة بينة. ولذلك قال جالينوس: إن أحمد حالات العنب إذا جاد انهضامه في المعدة وانحدر عنها بسرعة لأنه أن أبطأ قليلا واحتبس فيها، كان له من صعوبة المضرة وقوتها ما ليس للتين النضيج إذا احتبس من قبل أن التين في الجملة أسرع انحدارا من العنب لفضل ما فيه من قوة الجلاء. ولهذا صارت مضرته أقل. ومن قبل ذلك كان من الأفضل أن يتوقى أخذ العنب بحبه وقشره، لكن يمص مصا ويرمى بثفله ولا سيما إذا كان حبه كبيرا وقشره غليظا ولحمه غليظا.
وأما لحم العنب فحار لين قريب من الاستحالة سريع التشبه بالدم، يغذو غذاء محمودا، ولجالينوس في العنب والتين فصل قال فيه: ومن فضيلة هاتين الثمرتين على سائر الفواكه أنهما ليسا بصعبي الكيموس ولا عسري الاستحالة ولا سيما إذا كانتا قد نضجتا على أشجارهما نضجا كاملا. وجعل دليله على ذلك من نواطير الكرم لأنهم في الشهرين اللذين ينطرون فيهما الكرم، ليس أكثر غذائهم إلا التين والعنب، وزعم قوم أنهم لا يردون من الغذاء غيرهما، وأن ذلك لا يكسبهم مضرة، ولا ينكرون من