أحوالهم شيئا إلا سرعة الهزال إذا هم تركوا أكلها. وذلك أن اللحم المتولد عنهما منفوخ سريع الذوبان، لأنه غير ملزز ولا كثيف مثل اللحم المتولد عن الخبز لكنه رخو منفوش (١) لا صبر له ولا بقاء، ولذلك ينحل ويذوب بسرعة ويلحق أصحابه الهزال من كثب، وإن كان التين أبعد انحلالا من الأعضاء قليلا.
ولذلك لا يسرع الهزال إلى أهله بعد تركهم التغذية كما يسرع إلى من كان مستعملا للعنب ثم تركه.
وقد يستعمل العنب على ضروب فتختلف قواه وأفعاله وغذاؤه وذلك: أن منه ما يؤكل وهو بعد طري حين يقطف من كرمه. ومنه ما يعلق بعد حتى ينشف الهواء أكثر رطوبته الفضلية. ومنه ما يكبس في السلال أياما. ومنه ما يحصل في جرار فخار وتغطى رؤوسها ويسد الوصل بزفت ويدفن في ثجير (٢) العنب. و <منه> ما يدفن في ثجيره من غير جرار. ومنه ما يصير في إناء ويلقى عليه الطلاء (3) وعصير العنب الحلو.
فأما ما يؤكل منه حين يقطف من كرمه، فإنه متى وافى المعدة نقية من الفضول خالية من الغذاء، قوته على الطبخ، وحسن انهضامه ولطف غذاؤه وأعان على إطلاق البطن وانحل عن الأعضاء بسرعة. وإذا وافى المعدة مملوءة فضولا أو غذاء أو ضعيفة عن الهضم ولبث فيها قليلا، ولد نفخا وقراقر (2) وبخارات مصدعة مؤذية وأضر بالمعدة إضرارا بينا وكان الغذاء المتولد عنه مذموما.
وأما ما يكبس في السلال، فإن رطوبته تسخن وتغلي وتكسبه بخارات غليظة تترقى إلى الرأس وتحدث فيه صداعا. فلذلك صار مولدا للرياح والنفخ، غليظ الغذاء، عسير الانحلال من الأعضاء.
وأما ما يصير في الجرار والفخار وتغطى رؤوسها ويطين الوصل بزفت ويدفن في ثجير العنب، فإن الفخار ينشف أكثر رطوبته الفضلية، إلا أنها أيضا تسخن وتحمى ويكتسب بخارا وغلظا. فهو لقلة رطوبته يقوي المعدة وينبه الشهوة للطعام فيمن كانت شهوته مقصرة (4). ولما يكتسبه من البخار الغليظ، يعسر انحداره من المعدة ويبعد من التدبير الملطف. فإذا أكثر منه ولد نفخا وقراقر (5) وصار مصدعا مؤذيا.
وأما ما يدفن في ثجير العنب من غير حاجز يحجز بينهما، فهو شبيه بما يرفع في الجرار، إلا أن فيه تقوية للمعدة ومعونة على حبس البطن والنفع من نفث الدم. ذلك لما يكسبه من عفوصة الحب والقشر، غير أن الاكثار منه مضر (6) بالمثانة والرأس لأنه يولد صداعا، عسير الانحلال لما يتولد من البخارات إذا حمي يكبس بعضه على بعض. ولذلك صار ما يعلق تعليقا حتى ينشف الهواء أكثر رطوبته من غير أن يكسبه بخارا ولا غلظا، أسرع انهضاما من سائر العنب وأحمده غذاء وأعدل وأشد موافقة