المتطببين يقيمونه مقام الأفيون المستخرج من لبن الخشخاش الأسود، ولا يستعملونه إلا مع أدوية تكسر قوة برده.
وأجمع جالينوس وديسقوريدوس جميعا: أن من الخشخاش البري نوعين آخرين: أحدهما يعرف بالمقرن، والآخر يعرف بالزبدي. فأما المقرن فاشتق له هذا الاسم من ثمرته، لان ثمرته معقفة قليلا شبيهة بقرن الثور. ومن الناس من يسميه الخشخاش البحري لان أكثر ذلك ينبت على شاطئ البحر، وأقله ينبت في المواضع الصلبة، وله زهرة صفراء وورق أبيض يعلوه زغب. ومثلت الأوائل صورة ورقه بصورة ورق الشياف ماميثا وورقه الخشخاش البري. وزعم جالينوس: أن قوة هذه النبات قوة تجلو وتنقي وتقطع، ولذلك صار أصله إذا طبخ بالماء حتى ينتصف الماء وشرب طبيخه، نفع من علل الكبد. وأما ورقه وزهرته فنافعان من الجراحات الوسخة، لأنهما يذيبان اللحم الفاسد الذي فيها وينقيانها. وليس إنما يفعلان ذلك فقط، لكنهما يقطعان من الجراحة القشر المحروق الذي يعلوهما. وقال ديسقوريدوس في أصل هذا: أنه إذا طبخ بالماء حتى ينتصف ويشرب طبيخه، كان مع ما له من المنفعة لأوجاع الكبد، نافعا أيضا للذين يبولون بولا غليظا، ولمن يخرج في بوله خيوط رقاق شبيهة بغزل العنكبوت، ولأصحاب عرق النسا.
وأما بزره فإنه إن شرب منه مقدار أكسوبافن (١)، أسهل البطن إسهالا رقيقا. وزعم قوم أن أكسوبافن ثمانية عشر قيراطا، وقوم زعموا أنه إثنا عشر درهما. وأما زهره وورقه فإنهما إذا أتخذ منهما ضماد، نفع من حيث القروح وفسادها. وزعم ديسقيريدس <أن> من الناس من غلط وظن أن أشياف ماميثا، إنما يستخرج من هذا النبات. وإنما غلط من ظن هذا الظن، لتشابه ورق هذا النبات بورق الشياف ماميثا. قال إسحاق بن سليمان: لبعد هذا النبات من الشياف ماميثا، وقربه من الخشخاش وجها. وقد جمعه والشياف ماميثا تشابه الورق، والفعل المخالف لفعل الخشخاش والمنافرة لها بينهما من التضاد، لان من خاصية فعل الخشخاش إخدار الحس وتغليظ الفضول وتجميدها والمنع من تخليلها، ومن خاصة هذا النبات الجلاء والتنقية والتخليل. وهذا الفعل أقرب من فعل الشياف ماميثا وأبعد من فعل الخشخاش.
وأما الخشخاش البري (2)، فاشتق له هذا الاسم من لونه من قبل أن نباته وورقه وثمرته شبيهة بالزبد (3)، فاشتق هذا الاسم له من لونه، وله أصل رقيق وورق صغير جدا. فاستكمال ثمره يكون في زمان القيظ أعني الصيف. في ذلك الوقت يجنى ويجفف ويرفع. ومن فعله أنه ينقي المعدة بالقئ.
ولذلك صار نافعا للمصروعين.