العصارة مشوب برطوبة مائية. ولذلك صار متى أخذ الانسان من لبن الخشخاش المعروف بالأفيون مقدار حبة الكرسنة، أخدر الحاسة ومنعها من الحس بالأوجاع، وسكن الآلام، وفعل في السعال والاسهال أضعاف فعل البزر وجلب نوما قويا شديد الاستغراق، وبخاصة متى زيد في مقدار ما يؤخذ منه، فإن عمل منه فتيلة واحتملت من أسفل، جلبت نوما معتدلا. وإن أخذ منه شئ يسير وخلط بدهن الورد ومسح على الجبين والأصداغ، سكن الصداع الصفراوي المحض السليم من النوازل والرطوبات. وإن خلط بدهن لوز وشئ من زعفران، وعمل منه لطوخا، أسكن أوجاع النقرس الحار المري، وإن شرب منه المقدار الكثير، استغرق نور الحرارة الغريزية وأخمدها من قرب. ولذلك صار قاتلا لمن ضعفت حرارته الغريزية، وغلب على مزاجه حرارة عرضية، ولمن قد أخلط عقله عليه، على ما بينا (1) آنفا.
وقد يغش بضروب من الغش، لان من الناس من يغشه بعصارة الخس البري، ومنهم من يغشه بعصارة شياف ماميثا، ومنهم من يغشه بالصمغ العربي. والذي يغش بعصارة الخس البري، فإن لمسه يكون خشنا ورائحته ضعيفة. والذي يغش بعصارة الشياف ماميثا، فإنه إذا أديف (2) في الماء، صارت له رائحة كرائحة الزعفران - وفى نسخة أخرى أن الذي يغش بعصارة الشياف يصير له لون كلون الزعفران -. والذي يغش بالصمغ يكون لونه صافيا براقا ضعيف القوة جدا. ومن الناس من يبلغ به الحنث إلى أن يغشه بالشحم، وقد يقلى على خرقة جديدة إلى أن يلين لونه إلى الحمرة الياقوتية، ويدخل في إكحال العين. وحكى دياغورس عن سلسطراطس أنه لم يكن يرى استعماله في أدوية العين والاذن، لأنه كان عنده يضعف البصر ويثقل السمع ويشتت. وكان أندريا أوس يزعم: أن لبن الخشخاش لولا أنه يغش، لكان يعمي من اكتحل به.
وأما قشر الخشخاش، فإنه إذا طبخ وحمل على الرأس منه مقدار معتدل، جلب نوما معتدلا.
وإذا أكثرت منه، أحدث سباتا.
وأما الخشخاش البري، فهو أشد كراهة من الخشخاش البستاني جدا، وأقوى فعلا، ولذلك صار لا يمكن الانسان أن يستعمله وحده فيسلم من أذيته، لأنه ينوم تنويما قويا ويفسد الحاسة. وهو على ضربين: لان منه نوع يعرف بالمسن، لان زهره ينتثر ويتساقط بسرعة، ورمانه إلى الاستدارة ما هو، وحبه أغزر وأسمن. ومنه نوع آخر يعرف بالذائب، لان لبنه يذوب ويسيل ويجري منحدرا إلى أسفل. ولذلك صار رمانه إلى الطول ما هو، وحبه أهزل وأكثر سلالا. أما طول رمانه، فلسيلان رطوبته إلى أسفل، ولذلك صار حبه هزيلا من قبل أن رطوبته المغذية لما كانت دائمة الهبوط إلى الأغصان، قل غذاؤه وكثر سيلانه. وأما بزره فيبلغ من قوته أن يخدر خدرا شديدا ويميت الحس ويفسده، ولذلك صار الحذاق من