جوهر الخشخاش، أعني جرمه، موافقا لمن كان محتاجا إلى تليين البطن.
فإن عارضنا معارض وقال: فلم لا أعطيت جوهره الملين للبطن، وقلت: أنه إذا طبخ بالماء فارقه جوهره الحابس للطبيعة، وخالطه الماء وصار معينا على حبس الطبيعة؟.
قلنا له: إن الجوهر الحابس للطبيعة ضعيف فيه جدا، من قبل أن يبسه في الدرجة الثانية، والماء فمضاد ليبسه بإفراط رطوبته. فإذا خالط الماء الخشخاش، غلب على يبسه وحله ومنع من فعله، لان رطوبته أقوى. وأما جوهره الملين للطبيعة، فإن رطوبة الماء معينة له ومقوية لفعله. ولذلك ربا أثرها في المعاء، وصار الماء معينا على تليين الطبيعة.
وأما الخشخاش الأحمر، فإن برده أقوى من برد الخشخاش الأبيض ويبسه أكثر، لان برده في أول الدرجة الثانية، ويبسه في آخرها أو في أول الدرجة الثالثة. ولذلك صار فعله في جميع ما ذكرنا من فعل الخشخاش الأبيض، أقوى وأظهر.
وأما الخشخاش الأسود، فإن قوة برده ورمانه وورقه داخلة في جنس الدواء أكثر من دخولها في جنس الغذاء، لان برودته في أول الدرجة الرابعة، ويبسها في وسطها. ولذلك صار فعله في جميع ما قدمنا ذكره من فعل الخشخاش الأبيض والأحمر، أشد وأقوى وبخاصة في إخدار الحس وحبس البطن، وذلك لزيادة برده وقبضه ولا سيما إذا كان الشراب المتخذ منه مطبوخا بماء المطر، لما في المطر زيادة للقبض لقوة فعل الشمس فيه. ولذلك وجب أن يحذر الاكثار منه، لان الاكثار منه يولد من السبات ما يستغرق الحرارة الغريزية ويطفئ نورها. ولهذه الجهة صار مخصوصا بالاضرار بمن ضعفت حرارته الغريزية وغلب على مزاج قلبه حرارة عرضية، مثل أصحاب حمى الدق (1) وغيرهم، وبمن قد اختلط عليه عقله، لان من غلب على مزاج قلبه الحرارة العرضية لا يؤمن عليه أن تقاوم حرارته العرضية برد الخشخاش وتدفعه عن نفسها فتنعطف ببرده على الحرارة الغريزية وتطفئها لضعفها عن مقاومته.
ومن اختلط عليه عقله، فرطوبة دماغه الغريزية قد خفت وقاومت الفناء، وحرارة دماغه قد صارت إلى غاية الضعف. وإذا كان ذلك كذلك، لم يؤمن على الخشخاش أن يخدر حس الدماغ ويخمد نور الحرارة الغريزية ويهلك الانسان من قرب. وأما عصارة هذا النوع من الخشخاش ولبنه الذي يسيل منه فإن تبريدهما أقوى من تبريد البزر كثيرا، لان جوهر الخشخاش فيهما خالص محض (2).
ولذلك وجب أن يكون اليسير من فعلهما يقوم مقام الكثير من فعل البرد، وإن كان - لبن الخشخاش أخص بذلك من العصار كثيرا، لان الجوهر فيه أوحد غير مشوب بغيره، والجوهر في