رسالة وينشئ أمة ودولة، ويوجد مدا حضاريا متحفزا، في سنين قليلة وكلفة قليلة، حيث لم يتجاوز قتلى كل حروبه من الطرفين ست مئة شخص!
وإذا كان مقياسنا بعده صلى الله عليه وآله سعة التأثير بقطع النظر عن صحته وعمقه، فإن الشخصية الأكثر تأثيرا بعده هو عمر بن الخطاب، الذي سلمته قريش الطلقاء قيادتها، فأبعد عترة النبي صلى الله عليه وآله عن الحكم، وهندس لمسار الخلافة، وجعلها دولة بين قبائل قريش، بقانون الغلبة والسيطرة!
ثم يأتي بعده دور أبي سفيان ومعاوية، اللذين أخذا الخلافة من القبائل الصغيرة الضعيفة، قبيلة أبي بكر وعمر، وأعاداها إلى (معدنها) بزعمهما بني أمية!
فقد كان أبو سفيان يرى بمنطقه القبلي أن خلافة النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته حق شرعي لبني هاشم، بقطع النظر عن نزاعهم مع أبناء عمومتهم بني أمية، الذين يشتركون معهم في جدهم عبد مناف، فلا يجوز برأيه أن تخرج خلافة محمد صلى الله عليه وآله عن بني عبد مناف إلى أرذل حيين في قريش: (بني تيم وعدي)!
لذلك وقف ضد بيعة أبي بكر وعمر، غاضبا مناديا: (ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش؟! والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا... والله إني لأرى عجاجة لا يطفؤها إلا دم! يا آل عبد مناف فيم أبو بكر من أموركم؟! أين المستضعفان، أين الأذلان علي والعباس؟! وقال: يا أبا حسن، أبسط يدك حتى أبايعك، فأبى علي عليه، فجعل يتمثل بشعر المتلمس:
ولن يقيم على خسف يراد به * إلا الأذلان عير الحي والوتد هذا على الخسف معكوس برمته * وذا يشج فلا يبكي له أحد قال فزجره علي وقال: إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك والله طالما بغيت الإسلام شرا، لا حاجة لنا في نصيحتك). (تاريخ الطبري: 2 / 449، وغيره).