للبلقاء ثم لنابلس في عهد حمدي باشا والي سورية وكان صديقه الحميم ولما مات حمدي باشا عزل عن متصرفيه نابلس وبقي بعدها عاطلا من الولاية حتى توفي لكنه بقي على جاهه ومنزلته عند الناس لأن الولاية لم تفده جاها بل كان ذا جاه في نفسه وفي عهد عزله عن الحكم جرى خلاف بين الدروز وشيعة جبل عاملة وجاء الخبر إلى قرية الخيام بان الدروز يريدون الهجوم على الخيام فبأقل إشارة منه اجتمع أهل جبل عاملة من أقصاها إلى أدناها إلى قرية الخيام ولما علم الدروز بذلك ارتدوا على أعقابهم واهتمت الحكومة لذلك اهتماما عظيما وسعت في اصلاح الحال قال الشيخ محمد مغنية في كتابه جواهر الحكم ودرر الكلم انه في سنة 1294 حينما كان المترجم قائم مقاما في مرجعيون جاءه طلب إلى بيروت من متصرفها رائف باشا ولم يعلم السبب فلما وصل بيروت قال له المتصرف أنت مطلوب إلى الولاية فلما دخل على الوالي ضيا باشا في دمشق قال له من أنت ولم يكن يعرفه قبل لأن الوالي حضر جديدا لهذه القضية فاجابه بالتركية قائم مقام مرجعيون فأمره بالجلوس واخرج له عرض حال وناوله إياه فقرأه ومضمونه انه موجود قائم مقام من العشائر يدعى بأمير الجبل عازم على العصيان والخروج عن طاعة الدولة العلية وقد استعد على خمس وعشرين ألف بارودة وإذا ما صار قتل هذا الأمير أو نفيه والا ففي فصل الربيع مراده الخروج عن الطاعة فقال له الوالي استوعبته تماما وكمالا قال نعم فاخرج له تحريرا ثانيا مزورا عن لسانه إلى الحاج حسين فرحات أحد وجوه جبل هونين وفيه بعد المقدمة انه بحسب الاجتماعات والعهود قد أخذنا السلاح اللازم فأنتم اهتموا بتعجيل عمارة قلعة هونين وتبنين ومارون وقلعة دوبيه وبقية القلاع والاستحكامات الكائنة ضمن البلاد ويحثه على التعجيل لمزاحمة الوقت والتوقيع قائم مقام مرجعيون والختم خليل الأسعد وبعد اطلاعه على هذه الأوراق المزورة من أشقى القوم سأله الوالي وشدد عليه في السؤال فاجابه الأجوبة المسددة التي ليس عليها رد وبرهن له انه منذ ستمائة سنة عائلة بيت علي الصغير لم تزل في صدق الخدمة للدولة العلية والنصح وما فارقت الطاعة في وقت من الأوقات وكانت عتاة وعصاة سورية تذللها الدولة بعشائر بلاد بشارة وشرح له كيفية دخول فؤاد باشا الصدر الأعظم إلى سوريا في حادثة الستين وصدق خدمات بكوات بشارة للدولة وادخال فؤاد باشا رئيسهم علي بك الأسعد مجلس الخاصة وجعله عضوا في مجلس فوق العادة وأصدر عن رأيه حتى غدت سوريا في ظل لوائه فعندها ضاعف الوالي التفاته إلى المترجم واعتنى بشأنه وكان الوالي حينما وصل إلى إزمير قادما من الآستانة جاءه أمر تلغرافي بان يتدارك سوريا فعجل وبوصوله إلى بيروت ارسل مفتشي السر ممن يعتمد عليهم فانكشف الامر ان القضية مجرد تزوير وافتراء كذب محض فاثنى على المترجم وأعجبه ادراكه وتصرفاته واعتنى بشأنه زيادة عن باقي قائم مقامي سوريا وأرادوا إضراره واهلاكه فكانت عناية وعاقبة محمودة وحاق المكر السيئ باهله وبينما المترجم بدمشق وإذا بتلغراف ورد من المتصرفية إلى الولاية بان دروز تلك الجهات من مرجعيون وتوابعها اجروا حادثا خارجا عن إطاعة الدولة فتوجه حالا وذلك أن بكوات بيت أبي نكد من دروز جبل لبنان كان لهم علاقة بقرية المطلة من قرى مرجعيون وأهلها دروز فوقع اختلاف بين النكديين وعلي الحجار وجه القرية المذكورة وهو درزي أيضا وعلى عادة الدروز من أنهم لا يستندون في اخذ حقوقهم إلى غير قوتهم استنجد الحجار دروز حاصبيا فحضرت جماهير الدروز من حاصبيا وراشيا ومجدل شمس خيالة ورجالة بالسلاح الكامل فلما قاربوا المطلة ارسل النكديون خبرا إلى حكومة مرجعيون ومركزها يومئذ في كفر كلا ووكيل القائمقام الشيخ رشيد الفاخوري نائب القضاء في القائمقامية فتوجه الوكيل واخذ هيأة الحكومة والضابط مع القوة المسلحة فلما وصلوا تعاطوا أسباب منع الفتنة وحجز الفريقين فلم يلتفت الدروز إلى ذلك وأرادوا الفتك برجال الحكومة لولا أن تدارك الأمر أحد أعيان الدروز في حاصبيا سليم بك شمس فمنع من ذلك ورجعت هيأة الحكومة بالخجالة وحصل قتل وجرح بين فرقتي الدروز وقتل علي الحجار فأخبرت الحكومة المحلية المتصرفية بالأمر وهي أخبرت الولاية فاضطرب الوالي الجديد لذلك اضطرابا شديدا وطلب المترجم وأخبره بالحادثة الجارية بقائمقاميته وعزز مكانه ورفه حالته وأمره بالتوجه إلى مأموريته بعد اظهار احساسات السرور والتشكر منه لجميع دوائر الولاية وخصوصا لما علم أن الحادث بمركز خطر محتو على مذاهب متفرقة ومشارب مختلفة وانكشف له ذلك التزوير والافتراء الذي جرى بحق المترجم وكبر في نفسه وتحقق ان هذا المركز الخطير لا يحسن تدبيره وإدارته سوى قائم مقامه الحالي وكانت هذه الحادثة من أكبر أسباب التوفيق والتقدم للمترجم وساعده على ذلك أن ذوات دمشق وأركان الولاية لهم قرى بالحولة الأردن ونواحيها وكانوا دائما يخشون من غارات الدروز وتضييع بعض وارداتها ولما وقع هذا الحادث خافوا خراب املاكهم وضياعهم فأعرضوا للوالي الجديد انها ما استقامت البلاد واستقرت الراحة الا بوجود المترجم فبعد ما كان خائفا من مجيئه أخذ الوالي وأركان الولاية باستعطاف خاطره وصارت ارادته نافذة مرعية الاجراء ولما عاد إلى مركزه وفحص عمن أوجد ذلك العرضحال ظهر له ان استمداد ذلك كان من رئيس صور وجرى في عكا مع أحد أفراد الشيعة وتوافقا على ذلك وصبغوه وزوروه وأرسلوه إلى بيروت إلى السوكيرتا وقدموه إلى الصدارة في استانبول فردهم الله بغيظهم والآن هو متصرف البلقاء التي عجز عن إدارتها محمد سعيد باشا وغيره من أمراء دولة تركيا وهو أدارها وأحسن سياستها وقام بأعباء رياستها وعشائرها وأمراؤها ممتنة من أفعاله شاكرة منقادة لأوامره وأهل البادية الذين كانوا شاذين عن إطاعة الدولة داخلين في حيازتها اسما لا مسمى لا يدفعون ما عليهم من الرواتب لخزينة الدولة فلما أحيلت المتصرفية لعهدته وطد أركان السياسة وارعب أهل البدو فجاءوه منقادين ودفعوا ما عليهم من الأموال المتأخرة سنين ولزموا الطاعة والسكون انتهى جواهر الحكم باختصار.
وحضر مرة من نابلس أيام تولية المتصرفية فيها فجرى له استقبال حافل في جبل عاملة.
وفي مجلة العرفان م 6 ص 155 انه كان للمترجم ولع شديد بمحاضرة الأديب الشاعر البديهي الفكاهي مصباح رمضان البيروتي فغاب المصباح مدة في طرابلس وكان المترجم في بيروت فكلف الحاج علي الزين نظم بيت من الشعر ليرسله برقية إلى المصباح فنظم هذا البيت:
تغيب مصباحي فاظلم مجلسي * فعجل لقد أتعبت قلب خليل فاجابه المصباح في برقية بهذين البيتين:
كرما بتلغرافه * أرخت شرفني خليل وصباح يوم الأربعا * حظي بمرآه الجليل