من حي عن بينة) * (1) فلا ينبغي الخلط بين المقامين (2).
وجواب ثالث: هو انصراف الآيات والمتواترات الناهية عن الحجج العقلائية، لأنها عند العقلاء علم واطلاع واقعي على الأمر، وليست من الظن.
ولا نريد أن معنى ذلك ورود أو حكومة، حتى يقال: بعدم إمكان ورود السيرة أو حكومتها، لتقومهما باللسان، ولا لسان للسيرة العملية (3)، بل نريد انصراف تلك الأدلة في محيط العقلاء، عن المسائل القائمة عليها السيرة والجبلة والفطرة.
نعم، لو كان في الأخبار المتواترة خبر صريح في ذلك لكفى، ولكنه غير موجود، ضرورة أن التواتر الاجمالي في الأخبار الناهية ممنوع، فضلا عن اللفظي والمعنوي. وأما الآيات فهي - على تقدير دلالتها - ذات إطلاق، ولا نصوصية لها، فدعوى الانصراف (4) قوية جدا.
والسر كله: أن الخبر الواحد حجة قطعية عند العقلاء، وعليه السيرة العملية قطعا، فلا يخطر ببالهم من هذه الآيات شئ خلاف ذلك. ولو كان مفاد هذه الآيات الردع عنها، للزم سد الأسواق، وهدم الأساس، والاختلال في النظام، ولكثرة الأسئلة له (صلى الله عليه وآله وسلم) بما لا يخفى على أحد من المسلمين، وتواترت الأخبار والقضايا والحكايات، مع أنه غير معهود، بل المعهود خلافه، كما في قصة شهادة الأعرابي برؤية الهلال المأثورة في الأخبار والآثار (5).