زيد بعالم فلا تكرمه " فإن العالم كلي يمكن أن يكون موجودا، ويمكن أن يكون معدوما، ومع ذلك ينقدح في الذهن مفروضية وجوده، وفي المقام يكون الأمر كما تحرر، فتدبر.
وربما يؤيد التقريب المذكور: إتيان القضية الشرطية على الوجه المزبور، وإلا فلو قيل: " إن أنبأكم الفاسق فتبينوه " أو قيل: " إن جاءكم نبأ الفاسق فتبينوه " يحصل المقصود.
وأما اختصاص النبأ بالذكر من غير إضافة، بعد كون التنوين للتمكن، بل ولو كان للتنكير فلا يكون المقصود فاسقا خاصا بالضرورة، فهو يومئ إلى أن النبأ مفروض الوجود، وعدم مجئ الفاسق به أيضا مفروض.
وإن شئت قلت: ينتقل ذهن المستمع من عدم المجئ إلى عدم تحققه، ومن الفاسق إلى الفاسق الخارجي، ومن النبأ أيضا إلى النبأ الخارجي، وتصير النتيجة فرض عدم مجئ الفاسق الخارجي بالنبأ الخارجي، من غير كونه موضوعا لما في الخارج بخصوصه.
وهنا تقريب آخر: وهو أن هذه الآية تارة: تلحظ في محيط الموالي العرفيين والعبيد الذين يكون بينهما من الأنباء النادرة اليومية.
وأخرى: تلاحظ في محيط التشريعات والأحكام الكثيرة المشروعة، المذاعة في العالم بتوسط المخبرين الفاسقين والعادلين وطائفة ثالثة.
فإذا لوحظت في المحيط الأول، فلا يكون المفهوم ظاهرا في مفروضية وجود النبأ، بخلاف المحيط الثاني، فإنه إذا سمع كل واحد من المتشرعين هذه الآية، الذين يستمعون في كل يوم أحكاما خاصة بتوسط الأصحاب وحملة الحديث، فينقدح في أذهانهم أن الأنباء الواصلة إليكم على قسمين:
فقسم منها: ما يجئ به إليكم الفاسق، وحكمه التبين.