وبالجملة: ربما تدل على عدم التحريف روايات صحيحة. والاستشهادات التأريخية ناهضة عليه، كقصة عدم تمسك أهل البيت بالآيات المشتملة على الولاية التي هي المحرفة عند الأخباريين، ولا سيما الصديقة الكبرى سيدة النساء سلام الله عليها. ولكنها لا تورث القطع، ولا نحتاج إليها في حجية ظواهر الكتاب.
وغير خفي: أن ادعاء القطع بعدم التحريف - مع ذهاب جمهور العامة إلى نسخ التلاوة (1)، وهو في الحقيقة يرجع إلى التحريف بالنقيصة، ومع رعاية أن القطع بعدم تحريف أمثال " العروة الوثقى " و " كفاية الأصول " غير حاصل جدا - يكون مجرد دعوى بلا بينة وبرهان، فيكفينا الوثوق والاطمئنان العقلائي بعدم التحريف، فإن صناعة الخطابة تنهض على عدم التحريف، بخلاف صناعة البرهان، ولا يحصل من الخطابة القطع إلا لبعض النفوس الخاصة، كما لا يخفى.
ثم إن قضية الأصل، هو احتياج عدم التحريف إلى الدليل، لأن الكتاب كان منتشرا في بدو الاسلام بالضرورة، فاجتماع جميع أجزائه، وجميع ما أوحي إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الدفتين، يحتاج إلى التقريب والدليل، بخلاف التحريف، لأن من معانيه عدم اجتماعها بينهما، ولا أقل من الشك في الاجتماع المزبور.
ودعوى: أن حديث الثقلين، يدل على أن القرآن كان في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) كتابا بين الدفتين، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " كتاب الله، وعترتي " غير نافعة، لأن المراد من " الكتاب " أعم، وإطلاقه وانصرافه إلى ما هو المنصرف إليه في العصر الحاضر، من الحوادث الجديدة.
ويشهد له قولهم: " كل شرط نافذ إلا شرطا خالف كتاب الله " فإن المراد من " الكتاب " هو حكم الله، ولذلك يشمل حكم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا تخلط.
فبالجملة: تحصل من هذه الجملات: أن الوثوق بعدم التحريف، قريب جدا.