وبآية عدم إتيانه الباطل: * (لا يأتيه الباطل) * (1).
وفيه: - مضافا إلى أن إتمام الاستدلال، منوط بمقدمات يصعب طيها - أن التمسك بالقرآن على عدم التحريف من الدور، لاحتمال التحريف في الآيتين، وقد عرفت: أن التحريف المقصود إنكاره هنا، هو التحريف بالنقيصة، والتحريف بالتقديم والتأخير، وعلى هذا يشكل التمسك بالآيتين، لأن من مقدماته إثبات عدم التحريف المزبور، مع أن الاستدلال فرع كون * (الذكر) * في هذه الآية هو القرآن، وهو لا يثبت إلا بالاستدلال بالآية السابقة، وهكذا الثانية، فراجع وتدبر.
والذي هو الحق: أن دعوى القطع بعدم التحريف من المجازفة، لعدم إمكان ذلك بعد التوجه إلى أطراف القضية، والاستناد للتحريف بالأخبار الموجودة، غير صحيح، لعدم تمامية إسناد جمع منها، وعدم دلالة طائفة.
ولأن الدواعي لجعل تلك الأخبار كانت كثيرة، نظرا إلى هتك حرمة آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المسلمين أحيانا من قبل سلاطين الجور، وأنهم (عليهم السلام) يقولون:
بأن الكتاب الإلهي محرف، كالتوراة والإنجيل، وأن الرجوع إليه ممنوع، فيكون الثقلان - المأمور بالرجوع إليهما - ضائعين، أحدهما: من قبل أهل السنة، وهي العترة، وثانيهما: من قبل الخاصة، وهو الكتاب، فإن ما هو الأحسن والأصوب كون الكتاب الموجود بين أيدينا، هو الكتاب المنزل من غير فرق، وأن الترتيب المزبور ترتيب إلهي ولو كان الاختلاف في الإنزال يقضي على خلافه، ولكن ربما كان القرآن نازلا على هذا النظام دفعة، أو تدريجا، إلا أنه قد تكرر نزول السور.
وما هو الأقوم سندا، والأحسن ركونا، وهو يوجب الاطمئنان: أن الأمير (عليه السلام) في تلك السنوات والأصحاب الخواص في العصر الأول، لم يبرزوا التحريف، ولم يذكروا ذلك من المثالب ومطاعن الثلاثة، أو الأخير منهم، ولم يعهد من أعداء المسلمين الإشارة إلى ذلك، ولم يسلوا سيوفهم من الأغماد عليهم، مع أنه لو كان لبان جدا.