اللهم إلا أن يقال: بأن ذكر القرينة المنفصلة على أن الاستعمال في غير ما وضع له، خلاف البناء العقلائي، وبذلك يحصل الفرق بين المخصص والمقيد، وبين القرينة على المجاز والاستعمال في غير ما وضع له، ضرورة أن دأب المقننين على ذكر المخصصات والمقيدات، وهذا لا منع منه، لعدم كون العام مجازا بهما، بخلاف ما هو المفروض في الاستعمالات المجازية، واستعمال الألفاظ في غير ما وضعت له، فإنه لا بد من ذكر القرينة المتصلة، لأن الاتكاء على المنفصلة، خروج عن عادة المتكلمين والعقلاء.
نعم، يمكن دعوى: أنه يصح ذلك فيما إذا اقتضت الحاجة، وكان قد بلغ وقتها، وحان أمدها، وإلا فلا منع من استعمال الألفاظ في غير ما وضعت له في رسالة أرسلها إلى عبيده، وحيث لم يبلغ وقت الحاجة بوصولها إليهم، كان بناؤه على إرسال القرائن منفصلة، فأرسلها، ولكن الموانع والسيل والرياح منعت من وصولها، فلا يلزم الإخلال بالغرض من ناحية، ويجوز له التأخير.
فبالجملة: استفادة أن الألفاظ الموجودة، مستعملة فيما وضعت لها - بعد اشتهار المجاز بالمعنى المشهور - غير ممكن، لا بأصالة الحقيقة التي اتكل عليها المشهور، ولا بأصالة عدم القرينة التي اعتمد عليها الشيخ (رحمه الله) (1) ولا بأصالة الظهور التي ذكرها المتأخرون ك " الكفاية " والعلامة الأراكي والنائيني (رحمهم الله) وغيرهم (2).
بل قد عرفت: أن قضية أصالة عدم القرينة، هي البناء على الاستعمال في الموضوع له إذا كان في الكلام ما يصلح للقرينية، مع أنه مشكل. وإجراء أصالة الحقيقة هنا مبني على أنها أصل تعبدي، وهو باطل عاطل بالضرورة.