نعم، هنا وجه آخر: وهو أن المتكلم الحكيم المريد من الكلام إيفاء المرام، وتحقيق الآمال في الأنام، لا بد له من ذكر القرينة عند إرادة المجاز، وحيث هي غير موجودة، فيعلم منه إرادة المعنى الحقيقي، فرارا من نقض المرام، ومن التخلف عن ديدن الناس والعقلاء في المحاورات والمراسلات والمكالمات وغيرها.
وتوهم وجود القرينة حين الإلقاء، ولم تصل إلينا، لكثرة الدوافع، يدفعه الأصل العقلائي.
وإليه يرجع تمسك القوم بأصالة عدم القرينة في هذه المرحلة، وقد صرح الشيخ برجوع أصالة عدم التخصيص والتقييد إليه أيضا عند الشك في وجودهما (1)، فالمستند أصل عدمي واحد، وهو أصالة عدم القرينة.
أقول: الحق أنه على المبنى المشهور يشكل الأمر، لأن أصالة عدم القرينة إن كان معناها أصل عدم الاستناد إلى القرينة، فهو ليس معنى عقلائيا، لكثرة الاستناد إلى القرائن في المجازات الكثيرة.
وإن أريد منها: أنه لو كان مستندا إليها لوصل، فيعلم منه عدم الاستناد، لأن ذلك يرجع إلى أصالة عدم النقيصة بعد وصول أصل الكلام.
ففيه: أنه يجوز الاستناد إلى القرينة المنفصلة، إما لجواز التأخير عن وقت الحاجة، أو لعدم بلوغ الحاجة بالتأخير، كما هو كذلك في العام المتأخر عنه المخصص، والمطلق مثله أيضا.
فعلى هذا، ما هو الأمر العقلائي هو أن الاستعمال حقيقي، ولا مجاز، وإرادة المعنى الآخر من اللفظ، تحتاج إلى القرينة، وهي مفقودة، فيكون المراد الجدي معناه الظاهر.
مثلا: إذا ورد " أكرم زيدا الذي يكثر رماده " وشك في أنه أريد منه معناه