كما سيأتي تحقيقه (1).
أقول: قد مر منا في مباحث الأوامر: أن من الأقوال في مسألة دلالة الأمر على الوجوب، هو القول بأن الأمر لا يكون إلا حجة محتاجة إلى الجواب، وإذا قصد المأمور عصيان الأمر، تجوز المؤاخذة على ذلك، ولا يقبح العقاب، وعندئذ يجب عقلا أن يسد العبد جميع أبواب احتمال العقاب، حتى يستيقن بامتناع عقابه.
وقد ذكرنا هناك: أن هذه المقالة، ترجع إلى إنكار صحة الإفتاء على طبق الأمر والنهي، وهكذا الإخبار، مع أن سيرة السلف والخلف على جواز الإفتاء على طبقهما، من غير حاجة إلى الأدلة الخاصة (2).
والسر كل السر: أن البناءات العقلائية في باب الأمارات والطرق، لا تنقص عن بنائهم في باب القطع، فإنه يحصل - حسب العادة النوعية، وحسب الموازين الغالبة الشائعة - من هذه الأمارات الوثوق والاطمئنان بالمؤدى والأحكام، وعندئذ يجوز الإخبار وسائر الآثار، لأن حجية الأمارات في الحقيقة باعتبار انكشاف الواقعيات بها نوعا وغالبا، أو بناء وعادة، ولذلك نجد أن القوم يسندون المؤديات إلى مواليهم العرفيين. وما ورد في الأخبار الخاصة من الحث على الإفتاء (3)، ليس أمرا جديدا وراء اعتبار الطرق والأمارات العقلائية.
وغير خفي: أن انكشاف الخلاف في كثير من الأمارات والطرق، ليس بالغا إلى حد يعد ذلك بناء من العقلاء. ولو فرضنا - كما لم يبعد عندنا - أن مسألة الكشف والوثوق بالخارجيات في موارد قيام الطرق والأمارات، ليست واضحة، بل كل ذلك