فبالجملة تحصل: أنه بالضرورة تكون الأدلة الواردة في الشريعة، إما متكفلة لإثبات الحكم للعالم، أو له وللجاهل، وحيث لا سبيل إلى الأول، للزوم الدور، يتعين الثاني. ولا معنى للقول: بأنه حيث لا سبيل إلى التقييد يمتنع الإطلاق (1)، ضرورة أن امتناع الإطلاق، يستلزم لغوية قاطبة الأدلة، فيكون لها الإطلاق بالضرورة.
نعم، قد عرفت في الصورة الأولى من الصور الرئيسة، الإشكال العقلي على الإطلاق، مع حله بما لا مزيد عليه (2).
إذا تبين حدود البحث هنا، وأن الكلام حول حل مشكلة تصوير اختصاص الحكم بالعالم ولو بدليل منفصل، فنقول:
لنا أن نقول: إن المقنن إذا كان يرى أن المصلحة قائمة بصورة العلم، ويرى أن ترشح الإرادة الجدية بالنسبة إلى غير العالم غير ممكن، لما لا مصلحة هناك، وأيضا يرى أن التقييد بالعلم بالحكم، لا يعقل إلا بعد ثبوت الحكم، فله أن يتوسل إلى جعل القانون، بأخذ الحكم الانشائي في الدليل، ثم جعل الحكم الجدي بالحمل الشائع عليه.
مثلا: إذا قال: " من كان عالما بحكم الخمر إنشاء يحرم عليه الخمر " فإنه إذا علم المكلف بمفاد المقدم والشرط، تكون حرمة الخمر حرمة واقعية منجزة، وإذا كان جاهلا بمفاد المقدم، فلا يجب عليه الاجتناب واقعا، ولا يحرم عليه الخمر، من غير لزوم الدور، لأن الحكم المأخوذ في ناحية الموضوع، هو مرتبة من الحكم، لا واقعه الجدي والحكم الفعلي.
ولك أن تقول: إذا كان الحكم المأخوذ في الموضوع هو الحكم الانشائي،