مخلصون في ذلك له. أي: يقصدون الطريق الذي أمرهم بقصده، فكأنه ذهب في معنى الوجه إلى الجهة والطريق.
(ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ) يريد: ما عليك من حساب المشركين شئ، ولا عليهم من حسابك شئ، إنما الله الذي يثيب أولياءه، ويعذب أعداءه، عن ابن عباس، في رواية عطا، وأكثر المفسرين، يردون الضمير إلى الذين يدعون ربهم، وهو الأشبه. وذكروا فيه وجهين أحدهما: ما عليك من عملهم، ومن حساب عملهم من شئ، عن الحسن، وابن عباس. وهذا كقوله تعالى في قصة نوح: (إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون) وهذا لأن المشركين ازدروهم لفقرهم وحاجتهم إلى الأعمال الدينية، وهم برفع المشركين عليهم في المجلس، فقيل له: ما عليك من حسابهم من شئ، أي: لا يلزمك عار بعملهم. (فتطردهم) ثم قال: وما من حسابك عليهم من شئ تأكيدا لمطابقة الكلام، وإن كان مستغنى عنه بالأول. الوجه الثاني: ما عليك من حساب رزقهم من شئ، فتملهم وتطردهم، أي: ليس رزقهم عليك، ولا رزقك عليهم، وإنما يرزقك وإياهم الله الرازق، فدعهم يدنوا منك، ولا تطردهم (فتكون من الظالمين) لهم بطردهم، عن ابن زيد. وقيل: فتكون من الضارين لنفسك بالمعصية، عن ابن عباس.
قال ابن الأنباري عظم الأمر في هذا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخوف الدخول في جملة الظالمين، لأنه كان قد هم بتقديم الرؤساء وأولي الأموال على الضعفاء مقدرا أنه يستجر باسلامهم اسلام قومهم، ومن لف لفهم، كان صلى الله عليه وآله وسلم لم يقصد في ذلك إلا قصد الخير، ولم ينو به ازدراء بالفقراء، فأعلمه الله أن ذلك غير جائز.
ثم أخبر الله سبحانه أنه يمتحن الفقراء بالأغنياء، والأغنياء بالفقراء فقال:
(وكذلك فتنا بعضهم ببعض) أي: كما ابتلينا قبلك الغني بالفقير، والشريف بالوضيع، ابتلينا هؤلاء الرؤساء من قريش بالموالي، فإذا نظر الشريف إلى الوضيع قد آمن قبله، حمي آنفا أن يسلم، ويقول: سبقني هذا بالإسلام، فلا يسلم، وإنما قال سبحانه (فتنا) وهو لا يحتاج إلى الاختبار، لأنه عاملهم معاملة المختبر (ليقولوا) هذه لام العاقبة، المعنى: فعلنا هذا ليصبروا ويشكروا، فال أمرهم إلى هذه العاقبة (أهؤلاء من الله عليهم من بيننا) والاستفهام معناه الانكار، كأنهم أنكروا