كما كانت حراما على من قبلهم، فبين لهم أنها حلال. واختلفوا أيضا في سبب سؤالهم: فقال ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال يوم بدر: من جاء بكذا، فله كذا، ومن جاء بأسير، فله كذا، فتسارع الشبان وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلما انقضى الحرب، طلب الشبان ما كان قد نفلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم به، فقال الشيوخ:
كنا ردءا لكم، ولو وقعت عليكم الهزيمة لرجعتم إلينا، وجرى بين أبي اليسر بن عمرو الأنصاري، أخي بني سلمة، وبين سعد بن معاذ، كلام، فنزع الله تعالى الغنائم منهم، وجعلها لرسوله، يفعل بها ما يشاء، فقسمها بينهم بالسوية.
وقال عبادة بن الصامت: اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسوله، فقسمه بيننا على السواء، وكان ذلك في تقوى الله وطاعته، وصلاح ذات البين. وقال سعد بن أبي وقاص: قتل أخي عمير يوم بدر، فقتلت سعيد بن العاص بن أمية، وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكتيفة، فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستوهبته منه، فقال: (ليس هذا لي، ولا لك، إذهب فاطرحه في القبض) فطرحت ورجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي، وأخذ سلبي، وقلت: عسى أن يعطي هذا لمن لم يبل بلائي! فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني الرسول، وقد أنزل الله (يسألونك) الآية، فخفت أن يكون قد نزل في شئ، فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: يا سعد! إنك سألتني السيف، وليس لي، وإنه قد صار لي، فاذهب فخذه، فهو لك.
وقال علي بن طلحة، عن ابن عباس: كانت الغنائم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خاصة، ليس لأحد فيها شئ، وما أصاب سرايا المسلمين من شئ أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكا، فهو غلول، فسألوا رسول الله أن يعطيهم منها، فنزلت الآية.
وقال ابن جريج: اختلف من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار في الغنيمة، فكانوا ثلاثا، فنزلت الآية، وملكها الله رسوله، يقسمها كما أراه الله. وقال مجاهد:
هي الخمس، وذلك أن المهاجرين قالوا: لم يرفع منا هذا الخمس، ولم يخرج منا؟ فقال الله تعالى: (قل الأنفال لله والرسول) يقسمانها كما شاءا، أو ينفلان منها ما شاءا، أو يرضخان منها ما شاءا، (فاتقوا الله) باتقاء معاصيه، واتباع ما يأمركم به، وما يأمركم به رسوله، واحذروا مخالفة أمرهما.