خلقه، وغرائب صنعته، وفي غيرهم، فكأنه سبحانه بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم، فكانوا في مشاهدة ذلك وظهوره فيهم على الوجه الذي أراده الله، وتعذر امتناعهم منه، بمنزلة المعترف، المقر، وإن لم يكن هناك إشهاد صورة وحقيقة، ونظير ذلك قوله تعالى: (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) وإن لم يكن منه سبحانه قول، ولا منهما جواب. ومثله قوله تعالى: (شاهدين على أنفسهم بالكفر) ومعلوم أن الكفار لم يعترفوا بالكفر بألسنتهم، لكنه لما ظهر منهم ظهورا لا يتمكنون من دفعه، فكأنهم اعترفوا به، ومثله في الشعر:
وقالت له العينان: سمعا وطاعة، وحدرتا كالدر لما يثقب وكما يقول القائل: جوارحي تشهد بنعمتك. وكما روي عن بعض الخطباء من قوله: (سل الأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وأينع ثمارك، فإن لم تجبك حوارا (1)، أجابتك اعتبارا) ومثله كثير في كلام العرب وأشعارهم، ونظمهم، ونثرهم، وهو قول الرماني، وأبي مسلم، وابن الأخشيد.
وثالثها: إنه تعالى إنما عنى بذلك جماعة من ذرية آدم، خلقهم وأكمل عقولهم، وقررهم على ألسن رسله عليهم السلام بمعرفته، وبما يجب من طاعته، فأقروا بذلك، وأشهدهم على أنفسهم به، لئلا يقولوا يوم القيامة: (إنا كنا عن هذا غافلين) أو يقولوا: (إنما أشرك آباؤنا من قبل) فقلدناهم في ذلك، فنبه سبحانه على أنه لا يعاقب من له عذر، رحمة منه لخلقه، وكرما، وهذا يكون في قوم خاص من بني آدم، ولا يدخل جميعهم فيه، لأن المؤمن لا يدخل فيه، لأنه بين أن هؤلاء المأخوذ ميثاقهم، كان لهم سلف في الشرك، ولأن ولد آدم لصلبه لم يؤخذوا من ظهور بني آدم، فقد خرجوا من ذلك، وهذا اختيار الجبائي، والقاضي، وقوله (شهدنا) حكاية عن قول الملائكة، إنهم يقولون ذلك أي: شهدنا لئلا تقولوا، ذكره الأزهري عن بعضهم وقال: إن قوله: (قالوا بلى) تمام الكلام، وهذا خلاف الظاهر، وما عليه المفسرون، لأن الكل قالوا شهدنا من قول من قال بلى، وإن اختلفوا في كيفية الشهادة على أن الملائكة لم يجر لها ذكر في الآية، فيبعد أن يكون إخبارا عنهم (أن تقولوا يوم القيامة) معناه لئلا يقولوا إذا صاروا إلى العذاب يوم