فيه جمعا قوله: (وكنا ذرية من بعدهم) و (ذرية من حملنا مع نوح). فمن أفرد جعله جمعا فاستغنى عن جمعه لوقوعه على الجمع، ومما جاء فيه واحدا قوله:
(رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) ثم قال: (إن الله يبشرك بيحيى) وهذا مثل قوله: (رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث آل يعقوب). وأما قراءة أبي عمرو:
(ان يقولوا) بالياء، فلأن الذي تقدم من الكلام على الغيبة. ومن قرأ بالتاء فلأنه جرى في الكلام خطاب أيضا فقال: (ألست بربكم). وكلا الوجهين حسن، لأن الغيب هم المخاطبون في المعنى.
الاعراب: (من ظهورهم): بدل من قوله: (من بني آدم)، والمعنى: أخذ ربك من ظهور بني آدم ذريتهم، وقد ذكرنا الذرية وما قيل في تقدير وزنها واشتقاقها فيما تقدم، وقوله: (أن تقولوا) تقديره كراهة أن تقولوا، أو لئلا تقولوا، وقد مضى الكلام في أمثاله.
المعنى: ثم ذكر سبحانه ما أخذ على الخلق من المواثيق بعقولهم، عقيب ما ذكره من المواثيق التي في الكتب، جمعا بين دلائل السمع والعقل، وابلاغا في إقامة الحجة، فقال: (وإذ أخذ ربك) أي: واذكر لهم يا محمد، إذ أخرج ربك (من بني آدم من ظهورهم، أي: من ظهور بني آدم (ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى): اختلف العلماء من العام والخاص في معنى هذه الآية، وفي هذا الإخراج والإشهاد، على وجوه أحدها: إن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه، كهيئة الذر، فعرضهم على آدم، وقال: إني آخذ على ذريتك ميثاقهم، أن يعبدوني، ولا يشركوا بي شيئا، وعلي أرزاقهم، ثم قال لهم: ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أنك ربنا. فقال للملائكة: اشهدوا. فقالوا: شهدنا. وقيل: إن الله تعالى جعلهم فهماء عقلاء، يسمعون خطابه ويفهمونه، ثم ردهم إلى صلب آدم، والناس محبوسون بأجمعهم حتى يخرج كل من أخرجه الله في ذلك الوقت، وكل من ثبت على الاسلام فهو على الفطرة الأولى، ومن كفر وجحد، فقد تغير عن الفطرة الأولى، عن جماعة من المفسرين، ورووا في ذلك آثارا بعضها مرفوعة، وبعضها موقوفة، ويجعلونها تأويلا للآية.
ورد المحققون هذا التأويل وقالوا: إنه مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه، لأنه