الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون 168.
الاعراب: (ومنهم دون ذلك): دون في موضع الرفع بالابتداء، ولكنه جاء منصوبا لتمكنه في الظرفية، ومثله على قول أبي الحسن: لقد تقطع بينكم، وهو في موضع الرفع، فجاء منصوبا لهذا المعنى، وكذلك في قوله: (يوم القيامة يفصل بينكم): بين في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل، وإن شئت كان التقدير: ومنهم جماعة دون ذلك، فحذف الموصوف، وقامت صفته مقامه.
المعنى: ثم خاطب سبحانه النبي فقال: (وإذ تأذن ربك) معناه: واذكر يا محمد إذ أذن وأعلم ربك، فإن تأذن وأذن بمعنى. وقيل: معناه: تألى ربك أي:
أقسم القسم الذي يسمع بالأذن. وقيل معناه: قال ربك، عن ابن عباس (ليبعثن عليهم) أي: على اليهود (إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) أي: من يذيقهم ويوليهم شدة العذاب بالقتل، وأخذ الجزية منهم، والمعني به أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند جميع المفسرين، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام، وهذا يدل على أن اليهود لا تكون لهم دولة إلى يوم القيامة، ولا عز. وأما معنى البعث هاهنا:
فهو الأمر والإطلاق والمعونة. وقيل معناه: التخلية، وإن وقع على وجه المعصية، كقوله سبحانه (إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا) (ان ربك لسريع العقاب) لمن يستوجبه على الكفر والمعصية (وإنه لغفور رحيم) ظاهر المعنى.
وإنما قال سريع العقاب وإن كان العقاب مؤخرا إلى يوم القيامة، لأن كل آت فهو قريب. وقيل معناه: سريع العقاب لمن شاء أن يعاقبه في الدنيا.
(وقطعناهم في الأرض أمما) معناه وفرقناهم في البلاد فرقا مختلفة، وجماعات شتى، يعني اليهود، عن ابن عباس، ومجاهد، وإنما فرقهم بأن فرق دواعيهم حتى افترقوا في البلاد، وتفرقهم ذل لهم بمنزلة أخذ الجزية، لأنهم لا يتعاونون، ولا يتناصرون. وقيل: إنه فرقهم لما علم سبحانه من الصلاح لهم في دينهم، فصلح فريق، وعصى فريق، ثم أخبر سبحانه عنهم فقال (منهم الصالحون) أي: من هؤلاء الصالحون يعني من بني إسرائيل، وهم الذين يؤمنون بالله ورسله، ويطيعونه