المعنى: ثم ذكر سبحانه حديث الميقات، فقال: (ولما جاء موسى لميقاتنا) معناه: ولما انتهى موسى إلى المكان الذي وقتناه له، وأمرناه بالمصير إليه، لنكلمه، وننزل عليه التوراة. ويمكن أن يكون المراد بالميقات: الزمان الذي وقته الله تعالى له، أن يأتي ذلك المكان فيه، فإن لفظ الميقات كما يقع على الزمان، يقع على المكان، كمواقيت الإحرام، فإنها للأمكنة التي لا يجوز مجاوزتها لأهل الآفاق، إلا وهم محرمون.
(وكلمه ربه) من غير سفير أو وحي، كما كان يكلم الأنبياء على ألسنة الملائكة، ولم يذكر من أي موضع أسمعه كلامه، وذكر في موضع آخر أنه أسمعه كلامه من الشجرة، فجعل الشجرة محلا للكلام، لأن الكلام عرض لا يقوم الا بجسم. وقيل: إنه في هذا الموضع أسمعه كلامه من الغمام (قال رب أرني أنظر إليك) أي: أرني نفسك أنظر إليك، اختلف العلماء في وجه مسألته عليه السلام الرؤية، مع علمه بأنه سبحانه لا يدرك بالحواس، على أقوال: أحدها: ما قاله الجمهور، وهو الأقوى: إنه لم يسأل الرؤية لنفسه، وإنما سألها لقومه، حين قالوا له: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) ولذلك قال عليه السلام لما أخذتهم الرجفة: (تهلكنا بما فعل السفهاء منا) فأضاف ذلك إلى السفهاء.
ويسأل على هذا فيقال: لو جاز أن يسأل الرؤية لقومه مع علمه باستحالة الرؤية عليه تعالى، لجاز أن يسأل لقومه سائر ما يستحيل عليه من كونه جسما، وما أشبه ذلك، متى شكوا فيه؟ والجواب: إنما صح السؤال في الرؤية، لأن الشك في جواز الرؤية التي تقتضي كونه جسما، يمكن معه معرفة السمع، وانه سبحانه حكيم صادق في اخباره، فيصح أن يعرفوا بالجواب الوارد من جهته تعالى استحالة ما شكوا في صحته، وجوازه، ومع الشك في كونه جسما لا يصح معرفة السمع من حيث إن الجسم لا يجوز أن يكون غنيا، ولا عالما بجميع المعلومات، لا بد في العلم بصحة السمع من ذلك، فلا يقع بجوابه انتفاع ولا علم.
وقال بعض العلماء: إنه كان يجوز أن يسأل موسى لقومه ما يعلم استحالته أيضا، وإن كان دلالة السمع لا تثبت قبل معرفته متى كان في المعلوم أن في ذلك صلاحا للمكلفين في دينهم، غير أنه شرط أن يبين النبي في مسألته ذلك علمه