طرقا يابسة، حتى عبروا، ثم أغرقنا فرعون وقومه فيه (فأتوا) أي: فمروا (على قوم يعكفون على أصنام لهم) أي: يقبلون عليها، ملازمين لها، مقيمين عندها، يعبدونها. قال قتادة: كان أولئك القوم من لخم وكانوا نزولا بالرقة، وقال ابن جريج: كانت تماثيل بقر. وذلك أول شأن العجل.
(قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) أي: أنصب لنا شيئا نعبده، كما لهم أوثان يعبدونها، وهذا كفر ربما قاله الجهال من قومه، دون المؤمنين الأخيار، وإنما قالوا ذلك، لأن الانسان يحن إلى ما يراه لغيره، فيحب أن يكون له مثل ما لغيره. وفي هذا دلالة على عظيم جهلهم بعدما رأوا الآيات المترادفة، والمعجزات، من حيث توهموا أنه يجوز عبادة غير الله تعالى، ولم يعرفوا أن المجعول لا يكون إلها وأن الأصنام لا تكون آلهة. ويمكن أن يكونوا قد ظنوا أنه يجوز أن يتقرب إلى الله تعالى بعبادة غيره، وإن اعتقدوا أنه لا يشبه الأشياء، ولا تشبهه، ولم يكونوا مشبهة كما حكى الله سبحانه عن المشركين أنهم قالوا: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى).
(قال إنكم قوم تجهلون) هذه حكاية عما أجابهم به موسى عليه السلام، أي:
تجهلون ربكم، وعظمته، وصفاته، ولو عرفتموه حق معرفته، لما قلتم هذا القول، عن الجبائي. وقيل: تجهلون نعمة ربكم فيما صنع بكم، عن ابن عباس.
(إن هؤلاء) يعني القوم الذين عبدوا الأصنام (متبر) أي: مدمر، مهلك (ما هم فيه) من عبادة الأصنام، (وباطل ما كانوا يعملون) أي: باطل عملهم، لا يجدي عليهم نفعا، ولا يدفع عنهم ضرا، فكأنه بمنزلة من لم يكن من هذا الوجه.
فالبطلان: انتفاء المعنى بعدمه، أو بأنه لا يصح معتقده، فالأول: كبطلان البناء بالهدم، والثاني: كبطلان إله آخر مع الله، لأنه لا يصح في عدم، ولا وجود.
(قال) يعني: قال موسى لقومه بعد ازرائه على الأصنام، وعلى من كان يعبدها: (أغير الله أبغيكم) أي: ألتمس وأطلب غير الله لكم، فحذف حرف الجر، فوصل الفعل بقوله: (واختار موسى قومه) أي: من قومه (إلها) أي:
معبودا تعبدونه سوى الله (وهو فضلكم على العالمين) أي: على عالمي زمانكم، عن الحسن، والجبائي. وقيل: معناه وهو سبحانه خصكم بفضائل لم يعطها أحدا