في كتابكم من علم الطب شئ، والعلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان! فقال له علي: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه، وهو قوله (كلوا واشربوا ولا تسرفوا)، وجمع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم الطب في قوله: (المعدة بيت الداء، والحمية رأس كل دواء، واعط كل بدن ما عودته). فقال الطبيب: ما ترك كتابكم، ولا نبيكم لجالينوس طبا.
وقيل: معناه لا تأكلوا محرما، ولا باطلا على وجه لا يحل، وأكل الحرام وإن قل إسراف ومجاوزة للحد، وما استقبحه العقلاء وعاد بالضرر عليكم، فهو أيضا إسراف لا يحل، كمن يطبخ القدر بماء الورد، ويطرح فيها المسك، وكمن لا يملك الا دينار، فاشترى به طيبا، فتطيب به، وترك عياله محتاجين.
(إنه لا يحب المسرفين) أي: يبغضهم، لأنه سبحانه قد ذمهم به، ولو كان بمعنى لا يحبهم، ولا يبغضهم، لم يكن ذما ولا مدحا.
ولما حث الله سبحانه على تناول الزينة. عند كل مسجد، وندب إليه (1)، الأكل والشرب، ونهى عن الإسراف، وكان قوم من العرب يحرمون كثيرا من هذا الجنس، حتى إنهم كانوا يحرمون السمون والألبان في الإحرام، وكانوا يحرمون السوائب والبحائر، أنكر عز اسمه ذلك عليهم فقال:
(قل) يا محمد (من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) أي: من حرم الثياب التي تتزين بها الناس، مما أخرجها الله من الأرض لعباده، والطيبات من الرزق، قيل: هي المستلذات من الرزق. وقيل: هي المحللات، والأول أظهر لخلوصها يوم القيامة للمؤمنين.
(قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) قال ابن عباس:
يعني إن المؤمنين يشاركون المشركين في الطيبات في الدنيا، فأكلوا من طيبات طعامهم، ولبسوا من جياد ثيابهم، ونكحوا من صالح نسائهم، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شئ. قال الفراء: مجازة هي للذين آمنوا، مشتركة في الدنيا، وهي خالصة لهم في الآخرة، وهذا معنى قول