مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون 29 فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون 30.
اللغة: أصل القسط: العدل، فإذا كان إلى جهة الحق فهو عدل، ومنه قوله (إن الله يحب المقسطين) وإذا كان إلى جهة الباطل، فهو جور، ومنه قوله: (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا). وأصل الإخلاص اخراج كل شائب من الجنس، ومنه إخلاص الدين لله، وهو توجيه العبادة إليه خالصا دون غيره. والبداء: فعل الشئ أول مرة، والعود فعله ثاني مرة، وقد يكون فعل أول خصلة منه بدء، كبدء الصلاة، وبدء القراءة، وبدأ وأبدأ لغتان. والفريق: جماعة انفصلت من جماعة.
والاتخاذ: افتعال من الأخذ بمعنى إعداد الشئ لأمر من الأمور. والحسبان: بمعنى الظن، وهو ما قوي عند الظان، كون المظنون كل ما ظنه، مع تجويزه أن يكون على غيره، فبالقوة يتميز من اعتقاد التقليد والتبخيت، وبالتجويز يتميز من العلم، لأن مع العلم القطع.
الاعراب: (وأقيموا): عطف على ما تقدم من قوله (لا يفتننكم الشيطان) فتقديره: احذروا الشيطان، وأقيموا وجوهكم، عن أبي مسلم. وقيل: إن تقديره أمر ربي بالقسط وقل أقيموا. وقوله: (كما بدأكم) قال أبو علي الفارسي: تقديره كما بدأ خلقكم، ثم حذف المضاف. (وتعودون) معناه: ويعود خلقكم، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فصار المخاطبون فاعلين، (وفريقا حق عليهم الضلالة) نصبه ليعطف فعلا على فعل، وتقديره وفريقا أضل، فأضمر أضل، لأنه قد فسره ما بعده، فأغنى عن ذكره، ونظيره قوله: (يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما) وقال الفراء: (فريقا): منصوب على الحال من (تعودون) و (فريقا) الثاني عطف عليه، ولو رفع على تقدير أحدهما كذا، والآخر كذا، لجاز. كما قال: (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة).
المعنى: لما بين سبحانه أنه لا يأمر بالفحشاء، وهو اسم جامع للقبائح والسيئات، عقبه ببيان ما يأمر به من القسط، وهو اسم جامع لجميع الخيرات فقال:
(قل) يا محمد (أمر ربي بالقسط) أي: بالعدل والاستقامة، عن مجاهد،