الخامسة فبان يقال بعد الإغماض عن السند المراد بالمكتوبة العصر كما هو الظاهر والمراد بوقت العصر الوقت المختص بها والمراد بالموصول في قوله وتبدأ بالتي نسيت العهد إشارة إلى الظهر لا على العموم ولا يجرى هذا التأويل في الرواية المذكورة على الوجه الذي في الكافي فيتعين فيها أحد التأويلات المذكورة واما السادسة فبالحمل على الاستحباب أو التقية بعد الإغماض عن السند واما السابعة فبأحد الوجهين المذكورين ويحتمل وجها اخر وهو ان يقال المراد تقديم الفائتة إذا لم تزاحم زمان فضيلة الحاضرة ولعل في الخبر اشعارا بذلك ففيه اشعار بالمواسعة واما وجه التأويل في الثامنة والتاسعة فظاهر مما سلف في نظائرهما مع أن ظاهرهما مخالف لما سيجئ في احكام القبلة من عدم الإعادة خارج الوقت في الصورة المفروضة واما اخبار الخمس فمحمول على الوجوب على سبيل المواسعة أو على الاستحباب التضييق كما في بعض قرانة المسبحة وهو الطواف والاحرام ويؤيد ذلك عموم المنسية بالنسبة إلى النوافل على أن فيها دلالة على جواز الأربعة الأخرى في كل وقت ومن ذلك ما إذا كان عليه القضاء وهذا ينافي المضائقة ومما ذكرنا يظهر الجواب عن الأخبار الدالة على الامر بها عند التذكر سوى ما ذكرنا من الاخبار وقد يستدل على المضائقة بما رواه المشايخ الثلاثة في التهذيب وفي والفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قلت له اخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها كيف يصنع قال فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها فيكون قد قضى بقدر ما علمه من ذلك قال فقلت انه لا يقدر على القضاء فقال إن كان شغله في طلب معيشة لابد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شئ عليه وإن كان شغله للجمع للدنيا والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء والا لقى الله عز وجل وهو مستخف متهاون مضيع لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله والحديث طويل نقلنا موضع الحاجة والاستدلال بهذا الخبر على أن وجوب المضائقة عجيب جدا احتج المحقق ومن تبعه على وجوب تقديم الفائتة الواحدة برواية صفوان المذكورة وعدها جماعة من الصحاح والجواب ان هذه الرواية غير نفي السند لان في طريقها محمد بن إسماعيل عن الفضل وقد مر انه في غير ثقة ولا ممدوح و نعم لا يخلو عن قوة فيصلح ان يخرج شاهدا والاعتماد عليه منفردا مشكل مع أنها معارضة برواية علي بن جعفر المنقولة من كتاب قرب الإسناد وصحيحة عيص المنقولة من كتاب الحسين بن سعيد وحملها على الاستحباب حمل واضح هذا مع ما عرفت من الاشعار فيها بالمواسعة وكون تخصيص المضائقة بالفائتة الواحدة قولا غير معروف الا عن المحقق كل ذلك مع معارضتها للآيات والعمومات التي أشرنا إليها فاذن يضعف التعويل على هذه الرواية والاستناد إليها في الحكم المذكور احتج المصنف في المختصر على ما اختاره من تقديم فائتة اليوم برواية صفوان وعدها من الصحاح ولحسنة زرارة الطويلة وعدها من الصحاح أيضا ثم قال لا يقال هذا الحديث يدل على وجوب الابتداء بالقضاء في اليوم الثاني لأنه عليه السلام قال وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل ان تصلي الغداة إن كان الامر للوجوب والا سقط الاستدلال به لأنا نقول جاز ان يكون للوجوب في الأول دون الثاني الدليل فإنه لا يجب من كونه للوجوب مطلقا كونه للوجوب في كل شئ ثم قال ولان كل صلاة متأخرة يجب اداؤها بعد المقدمة عليها لوجوب الترتيب ولأنه ظهر يوم مثلا فيجب بعد صبحه لا يقال انما يجب ذلك لو بقى وقت الصبح إما إذا اخرج وصارت قضاء في الذمة فلم قلتم بوجوب بقاء التقديم لأنا نقول التقديم واجب في نفسه وايقاع الغداة في وقتها واجب اخر ولا يلزم من فوات الواجب الثاني فوات الأول انتهى والجواب عن الرواية الأولى قد سلف مع كونها غير وافية بتمام مدعاه وعن الثاني ان الأوامر في اخبارنا ان ثبت ظهورها في الوجوب فإنه ظهور ضعيف يزول بأدنى معارض وقد عرفت معارضة رواية علي بن جعفر وعيص والآيات والعمومات الكثيرة والأدلة الدالة على أفضلية أول الوقت واستعماله في قرائته على الاستحباب أيضا يضعف الظهور المذكور وكون تخصيص التقديم بفائتة اليوم مذهبا نادرا مع عدم صحة الرواية أيضا مؤيد لعدم الحكم بالوجوب ثم ما ذكره من وجوب تقديم المتقدمة ان أراد انه واجب (طبيعته وجوبها في وقتها المضروب لها شرعا فمسلم لكن لا يلزم وجوب التقديم عند خروج الوقت وان أراد به انه واجب) استقلالا فممنوع وأي دليل عليه ومن هنا ظهر سقوط قوله ولأنه ظهر يوم فيجب بعد صبحه بقى في المقام شئ اخر وهو انه وقع الامر بتقديم الفائتة في عدة من الاخبار وعمل بها المتأخرون على جهة الاستحباب وقد وقع الامر بتقديم الحاضرة في عدة من الاخبار وعمل بها ابنا بابويه وجماعة من المتقدمين والجمع بين الروايات في غاية الاشكال فيمكن ترجيح الأول ترجيحا للاخبار زرارة على غيرها لكون زرارة من أعاظم الفضلاء النقاد والضابطين مع اشتهار تلك الأخبار بين الطائفة جدا ويمكن ترجيح الثاني وحمل ما دل على تقديم الفائتة على التقية لكون ذلك مذهب أكثر العامة مع اعتضاد تقديم الحاضرة بما دل على أفضلية أول الوقت ويمكن القول بالتخيير وهذا يرجع إلى أن يقال الامر في تلك الأخبار مستعملة في الرخصة والإباحة الصرفة أو يخص ما دل على تقديم الفائتة بصورة لا يزاحم زمان فضيلة الحاضرة أو لا يوجب فوات زمان فضلها ويخص ما دل على تقديم الحاضرة بما عدا ذلك وفيه بعد يظهر عند التأمل في الاخبار ومع ذلك لا يجرى في بعض الأخبار فتدبر جدا المقصد الثالث في الاستقبال يجب استقبال الكعبة مع المشاهدة وجهتها مع البعد في فرائض الصلوات وهيهنا أبحاث الأول في تحقيق القبلة وهي في اللغة الحالة التي عليها الانسان حال استقبال الشئ ثم نقلت في العرف إلى ما يجب استقبال عينه أو جهته في الصلوات المفروضة واختلف الأصحاب فيما يجب استقباله فذهب المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح والمحقق في المعتبر والنافع والمصنف وأكثر المتأخرين إلى أنه عين الكعبة لمن يتمكن من العلم بها من غير مشقة كثيرة عادة كالمصلي في بيوت مكة وجهتها لغيرها وذهب الشيخان وجماعة من الأصحاب منهم سلار وابن البراج وابن حمزة والمحقق في الشرائع إلى أن الكعبة قبلة لمن كان في المسجد والمسجد قبلة لمن كان في الحرم والحرم قبلة لمن كان خارجا عنه ورواه الصدوق في الفقيه ونسبه في الذكرى إلى أكثر الأصحاب ونسبه في المختصر إلى ابن زهرة والذي اطلعت عليه ما ذكره في الغنية حيث قال القبلة هي الكعبة فمن كان مشاهدا لها وجب عليه التوجه إليها ومن شاهد المسجد الحرام ولم يشاهد الكعبة وجب عليه التوجه إليه ولم يشاهده توجه نحوه بلا خلاف ولم يذكر ان الحرم قبلة من نأى عنه والظاهر أنه لا خلاف بين الفريقين في وجوب التوجه إلى الكعبة للمشاهد ومن هو بحكمه وإن كان خارج المسجد فقد صرح به من أصحاب القول الثاني الشيخ في المبسوط وابن حمزة في الوسيلة وابن زهرة في الغنية ونقل المحقق الاجماع عليه لكن ظاهر كلام الشيخ في النهاية والخلاف يخالف ذلك فاذن التعويل عليه بمسلك الاجماع مشكل ثم الظاهر أن الفريق الثاني أيضا متفقون على أن فرض الثاني اعتبار الجهة لا وجوب التوجه إلى عين الحرم وان لم يصرحوا بذلك للاتفاق على وجوب التعويل على الامارات عند تعذر المشاهدة ومن الظاهر عند كل أحد ان الامارات لا تفيد العلم بالمقابلة الحقيقية خصوصا مع تصريحهم بموافقة امارات البلاد المتباعدة كعراق وخراسان وغيرهما لكن المتأخرون فهموا من كلام أصحاب الفريق الثاني عدم اعتبار الجهة فقالوا يلزم عليهم خروج بعض الصف المستطيل عن سمت القبلة ويشهد بهذا الفهم كلام الشيخ في الخلاف كما سيجئ ومما يدل على القول الأول ما رواه علي بن إبراهيم باسناده إلى الصادق ان النبي صلى الله عليه وآله صلى بمكة إلى بيت المقدس ثلث عشرة سنة وبعد هجرته صلى بالمدينة سبعة أشهر ثم وجهه الله إلى الكعبة وذلك أن اليهود كانوا يعيرون رسول الله صلى الله عليه وآله ويقولون له ان أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم لذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وخرج في جوف الليل ينظر إلى افاق السماء ينتظر
(٢١٣)