ويدل عليه الأخبار المتقدمة والمستحيل من الأرض إذا لم يصدق عليه اسمها كالمعادن كالملح والعقيق والذهب والفضة والقير والوجه فيه الحصر المستفاد من الأخبار السابقة ويؤيده ما رواه الشيخ في الضعيف عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تسجد على الذهب والفضة وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسين ان بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي يسأله عن الصلاة على الزجاج قال فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت هو مما أنبتت الأرض وما كان لي ان أسئله عنه فكتب إليه لا تصل على الزجاج وان حدثتك نفسك انه مما أنبتت الأرض ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوحان وظاهر هذا الخبر على هذا الوجه المذكور في التهذيب كونه من الصحاح لان قوله كتب إليه من كلام محمد بن الحسين فلا يضر جهالة المكتوب إليه لعدم استناد النقل إليه لكن الخبر مروى في الكافي بعين الاسناد والمتن الا في قوله فكتب إليه ففي الكافي فكتب إلي وفي بعض النسخ قال فكتب إلي فالخبر على الوجه المنقول في الكافي غير صحيح فربما يجعل ذلك علة لاعتلال الخبر فلم يحكم بصحته في التهذيب أيضا واعلم أن هذا الحكم في القير محل اشكال لاختلاف الروايات فبعضها يدل على المنع كحسنة زرارة السابقة وما رواه الشيخ عن محمد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال لا تسجد على الفقر ولا على القير ولا على الضاروج والفقر غير معروف في عرف زماننا ولم اطلع عليه من كتب اللغة وليس في سند هذا الخبر (من) يتوقف في شانه الا علي بن إسماعيل (والظاهر أنه علي بن إسماعيل) السرى وليس في شانه توثيق الا ان الكشي نقل عن نضر بن الصباح (توثيقه ولا عبرة بذلك لان نضر بن الصباح) غال ولعل في نقل أحمد بن محمد بن عيسى عنه اشعارا بحسن حاله وظن بعض المتأخرين ان علي بن إسماعيل هذا من مدحه العلامة بقوله خير فاضل وهو توهم لأن الظاهر أن الممدوح بهذا الوجه من أصحابنا العياشي كما ذكره الشيخ ويدل على الجواز ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال سال المعلى بن خنيس أبا عبد الله عليه السلام وانا عنده عن السجود على الفقر وعلى القير فقال لا باس اورده ابن بابويه بهذه العبارة سال المعلى إلى اخر الخبر وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار انه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة على القار فقال لا باس به وفي الصحيح عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفينة فقال تستقبل القبلة بوجهك وساق الحديث إلى أن قال ويصلي على الفقر والقير ويسجد عليه وجمع الشيخ بين الروايات بحمل رواية معاوية على الضرورة أو التقية ولا يخفى ان الحمل على الضرورة بعيد عن سياق الأحاديث المذكورة واما الحمل على التقية فإنما يستقيم عند انتهاض غير الصحيح لمعارضة الصحيح وقد يقال حديث هشام بن الحكم السابق في أوايل الباب يساعد ما دل على المنع لدلالة سياقه وما سبق في سؤاله من طلب التفصيل لحكم ما بجواز السجود عليه وما لا يجوز على الحضر في الأرض ونباتها غير المأكول والملبوس فظاهر ان الاسم (للأرض) غير صادق على القير فلو كان خارجا عن الحضر لم يشع في مقام البيان ترك التعرض له و والتعريف لحاله فيصير بهذا التقريب نصا في موافقة ما دل على المنع وأورد عليه ان قصد الايضاح والتعريف التام غير ملحوظ في الخبر ولا محذور في عدم إجابة المسائل في تمام مسؤوله لجواز اقتضاء الحكمة لذلك وانما قلنا إن قصد الايضاح غير ملحوظ لان الأرض لا يصدق على الأجزاء المنفصلة عنها حقيقة فظاهر الخبر يقتضي عدم جواز السجود عليها مع أن ذلك مخالف للنص والاتفاق فلو كان الايضاح والبيان التام ملحوظا في الخبر لوجب نصب قرينة دالة على أن المراد بالأرض المعنى المجازى الشامل لأجزائها فانتفاء القرينة على ذلك دال على انتفاء الملاحظة المذكورة فانهدم ما بنى عليه دعوى نصوصية خبر هشام في حكم القير والتحقيق انه يمكن الجمع بين الاخبار بوجهين أحدهما ما دل على النهي في القير على الكراهة وحمل الجواز في خبر هشام على الإباحة الصرفة ونفيه على مقابله فان هذا الاطلاق شايع في الاخبار أو بحمل الجواز على المعنى الأعم ويرتكب التخصيص في عموم مالا يجوز السجود عليه بالقير وحينئذ يمكن ابقاء الأرض على معناها الحقيقي وارتكاب التخصيص فيما لا يجوز السجود عليه باجزاء الأرض تقليلا في المجاز ويمكن حمل الأرض على المعنى الشامل لأجزائها بقرينة شيوع الحكم وظهوره وثانيهما حمل اخبار الجواز على التقية ولا ترجيح للأول باعتبار نصوصية اخبار الجواز لان خبر الجواز وإن كان نصا في القير الا انه ليس بنص في عموم الحالات بل هو ظاهر فيه قابل للتخصيص بحال الضرورة على أن احتمال التقية يوهن اقتضاء النصوصية اللفظية للترجيح والظاهر أن للترجيح للثاني لان لخبر هشام ظهورا تاما في الحضر فلا ينافي ذلك لزوم المجاز في لفظ الأرض لان اطلاقها على المعنى الشامل للاجزاء عند اشتهار الحكم ووضوحه مما لا بعد فيه أصلا بخلاف التخصيص بالقير في مثل هذا المقام كما لا يخفى على المتدبر واما حمل اخبار الجواز على التقية عند موافقة مدلولها للعامة ومخالفتها لجمهور الأصحاب فاحتمال قريب واضح وبالجملة حكم المنع بين الأصحاب بحيث لا يكاد يظهر مخالف فيه بل يظهر من كلام بعضهم نقل الاتفاق عليه وهذا مرجح قوى للخبر الموافق له على أن خبر زرارة أيضا خبر معتمد لا يقصر عن الصحاح لما قد علم من الاعتماد على نقل إبراهيم بن هاشم خصوصا إذا انضم إلى رواية محمد بن إسماعيل عن الفضل حتى أنها تعد عند كثير من المتأخرين من الصحيح ولولا هذه الشهرة العظيمة كان الجمع بحمل اخبار المنع على الكراهة جمعا قريبا واضحا الا ان الشهرة تدفعه واعلم أن ظاهر كثير من الأصحاب عدم جواز السجود على الجص وقد صرح به بعضهم وصرح الشيخ في المبسوط الجواز (بجواز) السجود عليه وهو ظاهر ابن بابويه ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيدهم في الصحيح عن الحسن بن محبوب انه سال أبا السحن (ع) عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه فكتب إليه بخطه ان النار قد طهراه والمشايخ الثلاثة أوردوا هذا الخبر في مبحث السجود وظاهر ذلك انهم فهموا منه الدلالة على جواز السجود على الجص وان ذلك مذهب لهم وقال الشهيد في الذكرى فيه إشارة إلى الجواز (وقد يناقش في دلالته على الجواز) بان سوق السؤال صريح في أن المطلوب معرفة حال الجص باعتبار ما يختلط به من اثار العذرة المحترقة عليه وليس في ذكر السجود عليه منافاة لإرادة ذلك المعنى وحده من السؤال إذ هو وجه من وجوه مباشرته فيما يعتبر فيه الطهارة غاية الأمر انه من حيث تغير ومن صورته الأرضية صار مظنة للمانعية من السجود عليه أيضا فيحتمل ان يكون ذلك ملحوظا في السؤال مع المعنى الأول كما يحتمل عدمه فلو توافق الجواب السؤال في التعبير بلفظ السجود أمكن جعله دليلا على الحكمين ولكن لم يأت لجواب على وفق لفظ السؤال بل اقتصر فيه على بيان الحكم الذي لا شك في ارادته إما بشهادة قرينة لعدم القصد بالسؤال إلى غيره واما المانع من بيان الحكمين وعلى الاحتمالين لا يبقى للنظر إليه في حكم السجود وجه ولا يخفى ما فيه من التكلف لأن الظاهر أن غرض السائل استعلام حاله باعتبار السجود لكن كان منشأ تردده الشك في حكمه باعتبار احتمال النجاسة من حيث اختلاطه بالاجزاء النجسة المحترقة فلما أجاب عليه السلام يرفع ما كان منشأ لتجويزه عدم جواز السجود عليه كان في قوة التصريح بالجواز كما لا يخفى على المتدبر ومن هنا يظهر ان القول بجواز السجود على الجص أقوى ثم اعلم أن القدماء صرحوا بأنه لا يجوز (السجود) الا على الأرض أو ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس عادة ولم يصرحوا بحكم الخزف والظاهر أنه مستحيل عن الأرض وان اسم الأرض لا يصدق عليه فظاهر هذا الاطلاق عدم جواز السجود عليه عندهم والشيخ جعل من الاستحالة المطهرة صيرورة التراب خزفا وهذا كالتصريح بعدم صدق الأرض عليه لكن جماعة من المتأخرين قطعوا بجواز السجود على الخزف من غير تردد ولا نقل خلاف في ذلك حتى أن المنصف في التذكرة استدل على عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود عليه (وظاهر هذا الاستدلال ان جواز السجود عليه) أمر مسلم مفروغ عنه غير محتاج إلى الاستدلال وقال المحقق في المعتبر بعد أن منع من التيمم عليه لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض ولا يعارض بجواز السجود لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ وهذا الكلام لا يستقيم بوجه كما أشرنا إليه في مبحث التيمم نعم ان صح كون هذه المسألة اجماعية صح هذا الكلام واثبات الاجماع محل اشكال فالقول بالمنع غير بعيد إذ الظاهر عدم صدق الأرض والمستفاد من الاخبار الحصر المشار إليه مرارا ويكفي في صحة هذا القول وجود الدليل مع موافقته لاطلاقات جماعة منهم ولا يحتاج إلى وجود القائل به صريحا وان قلنا بالاحتياج في المسائل التي يقع البلوى بها غالبا ولا يكون حكما مستحدثا لم يبحث عند القدماء إلى وجود الموافق كما قيل إن وجود الكلية كاف ولا يحتاج إلى التنصيص ويؤيد ذلك تصريح الشهيد وغيره بالكراهة مع أن الظاهر أنه لا علة لذلك لا التفصي من الخلاف
(٢٤١)